يقولون إنه مثل أمريكي (الاستعجال يفسد كل شيء) والاستعجال بالضبط هو إرادة تغيير الواقع في رمشة (طرفة) عين، وبدون التفكير فيما ينتج عن ذلك، ودون فهم أو إدراك للظروف والملابسات المحيطة بالحال أو الواقع المراد تغييره، وحتى في كل الأمور الحياتية العامة والخاصة نود أن نغمض أعيننا ونفتحها ونجد أنها قد تغيرت، والدعاء أيضا الكثيرون يؤكدون استعجالهم الإجابة فيه، بإضافة عبارة عاجلا وليس آجلا يارب. حتى الكفرة يستعجلون العذاب «افبعذابنا يستعجلون»، وكل استعجال تصرف طائش ومتهور وقد يتخذ الإنسان قرارات تضر به وربما بمن حوله. وإذا نظرنا إلى واقعنا نجد أننا في عجالة دائما، ألسنا متميزين عن غيرنا في أن نجد سيارة واحدة فقط أمامنا عند إشارة المرور، وتأبى العزة إلا أن نصف بجانبها، إن لم نتمكن من الاستحواذ على حقها وأيضا ندخل صف الواقفين من أى مكان دون أسبقية والحجز في أكثر من مكان، ولو بعدت المسافة، يعنى البعض يأخد رقما في وزارة الخارجية، ورقما في البنك، ورقما بالجوازات، وآخر بالغرفة التجارية، وتجده أحاط نفسه بكل عوامل التعب والأرق، وربما يصل إلى نهاية غير سعيدة وهو يحاور السيارات ويتداخل معها كالأفعى؛ ليلحق هنا وهناك، وبعضهم يعطى أوامره للسائق (روح بنك شيل نمبر بعدين كاونت كم نفر موجود داخل وكم نفر خلاص) والأعجب والأغرب والذى لا يستدعى الاستعجال إلا أننا نلحظ بعد المناداة لموعد أى رحلة سواء جوية أو برية وطلب المنادى الانتظام؛ لاكمال إجراءات السفر أو الاستعداد للصعود، إلا وتشعر بالخض والركض من حولك وأصوات الأحذية كأنها تقرع طبولا لحرب، وكأن الرحلة ستغادر خلسة من دونهم ومن البدع عندما يعلن الكابتن الجوي وصول الطائرة بسلام، ويطلب من الركاب البقاء في مقاعدهم، وقبل أن يكمل عبارته يكون الجميع قد اصطفوا مع الطاقم المعني بفتح الأبواب، وقد أعاقوهم عن أداء عملهم. ثم أوليس الواسطة نوعا من أنواع الاستعجال، فتجد البعض بمجرد وصوله إلى أي مكان خدمي وحتى لو كان الواقف أمام كل موظف عميلا واحدا تجده يدور في كل المكاتب ويركز على الوجوه؛ بحثا عن واسطة، والأمثلة كثيرة جدا، حتى أولادنا نتمنى أن يكبروا ويتعدوا الطفولة بين يوم وليلة. وأسباب ما يحدث كثيرة ومتعددة، منها: الدافع النفسي خاصة الطبيعة البشرية لخلق الإنسان عجولا، وأيضا الحماس الزائد لدى البعض لإنجاز أى معاملة في زمن قياسي. والحمدلله أن هذه الظواهر لا توثق لدى مجموعة جنيس. وقد يكون لطبيعة العصر يد طولى حتى بتنا نشعر بأن الوقت يمضي بسرعة جنونية، ولم تعد ساعات اليوم كما كنا نعدها من سنوات قليلة، ولما أصابتنا الأناة وحب النفس فقط فهذا شعور يسرع حركة التهافت. من أسوأ نتائج الاستعجال قتل النفس بدون حق، ولأسباب جد تافهة، والطلاق أيضا في غالبه نتيجة استعجال حكم كل على الآخر، حتى ولو بالتراضى؛ لأن النتائج السلبية دائما ما تنتظر الخارجين من هذه الأحوال على الأبواب، ومنها سلب حق الآخر، وربما أصدقكم القول أن كل فعل خطأ مرده الاستعجال. وخلاصة البحث، أننا بجد ارتفعت عندنا مؤشرات العجلة، وأصبحت ظاهرة تستحق أن نجد الوسيلة المقنعة لتهدئة الجميع، وأقول الجميع؛ لأنها شبه عامة أوشكت أن تكون سمة خاصة بنا، وفى كل المستويات لا يختلف فيها مستوى عن آخر علمي أو اجتماعي، والكل يقود بالسرعة القصوى حتى في حالات التمشية؛ لتضييع الوقت؛ مما يولد ارتباكا أكثر من الانتظار. وبلمحة أخرى، فإن كل ما تقدم لا يصرفنا أن نعرض على ما اعتدنا أن نسميه بالمؤثرات: كالاكثار من داونية السستم (توقف النظام الإلكتروني)، ونفاد الأرقام، وغياب الموظف المختص، وتطبيق أنظمة واصلة للتو حتى إنها لم تقرأ وتفسر تفسيرا صحيحا، وإنما يمكن تنكيد المصطفين لا المصطافين بها وابعادهم لفترة بل لأيام عن الكاونتر، وربما نهائيا، ولا علاقة لذلك مدحا أو ذما فقط الهلع الساكن ومعشش في رأس المواطن الإنسان خوفا من التغيرات السريعة والفجائية، وحضرتني نكتة في إحدى الدول والأسعار ترتفع دون مقدمات فقد اشترى أحدهم ليلا سلعة، وفي الصباح تذكر أنه محتاج لقطعة أخرى، وذهب لنفس المحل فوجد أن سعرها تضاعف، فقال للبائع يعنى الواحد ما ينام أبدا وبس. * مهتمة بالشأن الاجتماعي