بدأ التعقيد يتصاعد في الأزمة اليمنية، ولا توجد أية بادرة من جماعة الحوثيين وحليفها علي عبدالله صالح، على أنهما يراجعان مخططهما للسيطرة على اليمن لحساب طهران وضد الإرادة اليمنية ودول الخليج. ويحاول الحوثيون وحليفهم، الحصول على أكبر مكاسب ميدانية باحتلال المزيد من المدن اليمنية منذ احتلالهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي، لوضع دول الخليج والمبعوث الدولي جمال بن عمر أمام الأمر الواقع. فقد سيطر الحوثيون وقوات حليفهم أمس الأول على مطار تعز واحتلوا شطراً من المدينة التي كانت إلى قبل أيام تستعصي على الغزاة وتنشط فيها حركة مقاومة لصد أي هجوم من الشمال. ولا يعرف ما هي التدابير التي ستتخذها دول الخليج التي أصدرت سلسلة بيانات تدعم الرئيس هادي، وتندد بالحوثيين وتصرفاتهم، لكن دول الخليج تبدو بطيئة في الإقدام على عمل جوهري يوقف تمدد الحوثيين في اليمن، ويمنع الأزمة من التفاقم. وبدأ الحوثيون، الذين لا يثقون بحليفهم الرئيس السابق، بتكثيف الاتصالات مع طهران، بما في ذلك جدولة عشرات الرحلات الجوية من مطار صنعاء إلى إيران وبالعكس. ويتعجب مواطنون يمنيون في شبكات التواصل الاجتماعي من الرحلات المكثفة من وإلى إيران، في وقت لا توجد جالية يمنية في إيران ولا توجد جالية إيرانية في اليمن. ويقولون إن هذه الرحلات لا بد أنها تحمل إمدادات أسلحة وخبراء من الحرس الثوري الإيراني لتعزيز قبضة الحوثيين على اليمن، وجعل عودة اليمن إلى السلام مستحيلة. ويسيطر الحوثيون على مطارات المحافظات الشمالية وميناء الحديدة الرئيس في غرب اليمن، وذلك يؤمّن لهم اتصالا قويا مع الحرس الثوري في إيران وميلشيات حزب الله اللبناني التي تشارك مع الحرس الثوري الإيراني في توجيه الحوثيين وتخطيط تحركاتهم بما فيها احتجاز الرئيس عبدر به هادي قبل خروجه إلى عدن، واحتجاز رئيس الحكومة خالد بحاح ووزرائه. واضطر الحوثيون إلى الإفراج عن بحاح لكسب ود دول الخليج أو لمنعها من اتخاذ اجراءات تضر بخطة السيطرة على أكبر مساحة من اليمن. وواضح أن الحوثيين وحليفتهم إيران سعيا إلى خلط الأوراق والإطاحة بحكومة هادي منذ إعلانه مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم في فبراير العام الماضي. وهو المشروع الذي يجعل صعدة محافظة داخلية، ويحرم الحوثيين من منفذ إلى البحر يستطيع منه التواصل مع طهران. الأممالمتحدة تحذر يأتي ذلك فيما حذرت الأممالمتحدة أول أمس الأحد من أن صراع اليمن قد يُكرر سيناريو العراق وليبيا وسوريا إذا ضغط أي من الجانبين للسيطرة على البلاد؛ الأمر الذي دفع مجلس الأمن الدولي للتهديد بمزيد من الإجراءات إذا لم تتوقف الاعتداءات. وانتشر العنف في اليمن منذ العام الماضي عندما سيطر الحوثيون على العاصمة وأبعدوا فعليا الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يسعى الآن للعودة إلى السلطة. وأطلع جمال بن عمر- وسيط الأممالمتحدة بشأن اليمن- مجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة أمس على تطورات الأوضاع وقال إن اليمن يُدفع إلى "هاوية حرب أهلية". وقال بن عمر عبر دائرة فيديو من الدوحة "سيكون ضربا من الوهم أن نتصور أن الحوثيين قد ينجحون في شن هجوم والنجاح في السيطرة على البلد بأكمله.. كما سيكون خطأ أن نعتقد أن الرئيس هادي يستطيع حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد من الحوثيين". وأضاف "أي جانب يحاول دفع البلد في أي الاتجاهين سيُدخل البلاد في صراع طويل على غرار سيناريو مُجمع للعراق وليبيا وسوريا". وسيطر الحوثيون المتحالفون مع إيران يوم الأحد على مدينة تعز بوسط البلاد في تصعيد للصراع على السلطة. وأدان مجلس الأمن الدولي سيطرة الحوثيين على كثير من أجزاء اليمن ومؤسساته وحثهم على الانسحاب وأبدى دعمه لهادي وطالب بإنهاء الاعتدءات في بيان وافق عليه الأعضاء أمس. وهدد البيان أيضا "باتخاذ مزيد من الإجراءات ضد أي طرف" في الصراع باليمن" بعد العقوبات التي فرضها المجلس في نوفمبر الماضي على الرئيس السابق علي عبدالله صالح واثنين من قادة الحوثيين. وقال سفير بريطانيا لدى الأممالمتحدة مارك ليال جرانت للصحفيين قبل اجتماع المجلس: "إذا كانت هناك أي خطوات يمكن اتخاذها (لتفادي حرب أهلية) فسندرسها حتما.. العقوبات هي الخيار الأساسي بالطبع". وفي رسالة لمجلس الأمن الدولي يوم السبت الماضي طلب هادي مساعدة عاجلة بكل السُبل الممكنة لوقف الاعتداءات. وطلب سفير اليمن لدى الأممالمتحدة خالد حسين محمد اليماني من المجلس أمس وقف طبول الحرب، فيما عبر مجلس الأمن عن القلق من أن يستفيد تنظيم القاعدة من الوضع المتدهور في اليمن. التعاون الإسلامي قلق من جانبه، حذّر الأمين العام لمنظّمة التعاون الإسلامي، إياد أمين مدني، من التطورات الخطيرة التي يشهدها اليمن، معتبرا أن تبني الحوثيين للخيار العسكري ورفض المساعي الدولية والإقليمية التي تدعو إلى حوارٍ وطني شامل من شأنه إيجاد مخرج سلمي للأزمة المتفاقمة في اليمن، يضع البلاد على شفا حرب أهلية ستكون لها تداعيات مُدمّرة على اليمن والمنطقة بأسرها. وجدّد مدني دعوته لكافة الأطراف اليمنية إلى تحكيم العقل ووضع مصلحة اليمن فوق كل الحسابات السياسية والقبلية والمذهبية، مؤكدا أن محاولات الحوثيين توظيف الحرب على الإرهاب لتقويض الشرعية الدستورية المعترف بها دوليا والمتمثلة برئيس الجمهورية، السيد عبد ربّه منصور هادي، أمرٌ مرفوضٌ، لن يسهم سوى في استفحال الفوضى وتعميق الأزمة بأبعادها السياسية والأمنية والإنسانية. كما طالب الأمين العام جميع الأطراف في اليمن، وتحديدا الحوثيين، بالامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي ومبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية والاستجابة لدعوة المجلس لعقد مؤتمر بالرياض يستكمل ويدعم المفاوضات التي ترعاها الأممالمتحدة، إلى جانب الالتزام بمخرجات الحوار الوطني واتفاق السلام والشراكة الوطنية وملحقها الأمني، على اعتبار أنه السبيل الوحيد للاستجابة لتطلعات الشعب اليمني في الانتقال السلمي للسلطة وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والسلم الاجتماعي. الإجراءات الخليجية ويشكل بطء الدول الخليجية في اتخاذ إجراءات ترغم الحوثيين على التراجع عن خططهم مع وجود الاتصالات السالكة بين الحوثيين وإيران- أمرا يجعل من الازمة اليمنية أكثر تعقيداً، وكلما كسب الحوثيون وحليفهم المزيد من الوقت يصبح التفاوض معهم صعباً، خاصة في ظل دعم إيراني كثيف. وسبق أن قالت دول الخليج إنها ستتخذ الإجراءات التي من شأنها المحافظة على مصالحها الحيوية في اليمن، ولكن لا يبدو أن لديها خيارات كثيرة. وإذا ما أرادت محاصرة الأزمة اليمنية في حدودها الراهنة وتفادياً لتفاقمها، ستجد الدول الخليجية نفسها مضطرة إلى إغلاق مطار صنعاء ومطارات اخرى تحت السيطرة الحوثية وإغلاق ميناء الحديدة لمنع التدفق الكثير للأسلحة من إيران، ليمكن للحوثيين التفكير بالانخراط في مفاوضات سلام. لكن لن يسعى الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق، بصورة جدية للسلام أو المشاركة في المفاوضات ما دام أن خط الاتصال بطهران مفتوح. الحوثيون يستنسخون حزب الله ويستخدم الحوثيون في اليمن نفس أساليب حزب الله اللبناني للسيطرة على حكومة لبنان، فهم يستخدمون شعارات وطنية يمنية، وينخرطون صورياً في محادثات ونقاشات وطنية، لكن دائماً، بهدف كسب الوقت لتنفيذ الأجندة الإيرانية. وسبق أن استغل زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي ضريبة الوقود للتمدد إلى صنعاء واحتلالها، ومن الواضح أن هذه فكرة إيرانية لأن حزب الله سبق أن احتل بيروت عام 2008 بحجة حماية المقاومة حين أجرت الحكومة اللبنانية تغييرات في وظائف عالية في مطار بيروت الدولي. وليس مستغرباً أن يعرض يمنيون صوراً لعبدالملك الحوثي وهو يؤدي لغة جسد تتطابق مع الأسلوب الخطابي لحسن نصرالله أمين حزب الله اللبناني، وأحيانا يستخدم نفس التعابير والمفردات. وكلاهما يعملان لحساب إيران ويتلقيان توجيهات من الحرس الثوري الإيراني.