نهضت الآه متعبة، مثقلة، لا تكاد تقوى حتى على الوقوف استعدادا لمناجاة من يناديها كما تعودت استدارت الآه حول نفسها وتمايلت وأوشكت على السقوط ولكنها نهضت مسرعة خوفاً من أن يراها أحد وهي القوية المعتدّة بنفسها، لذلك لا مجال أمامها سوى الصمود والظهور بمظهر القوة أمام الآخرين خاصة انها هي من كانت تواسيهم!! أفتكون هي الآن من يحتاج للمساعدة؟! وأي شعور ذلك الذي يشعره -كائن من كان- أن تكون دائم الحضور لنجدة الآخرين وفي لحظات أو فترات من الزمن تحتاج أنت من ينجدك ولا تجد ذلك المنجد، إلهي ما أصعب هذا الإحساس!! هي كبرياء الأنا ولا شك حتى في الآه نفسها فقد كانت النديم والجليس للآخرين. بهمسها المعهود وباختفاء صوتها قالت الآه: كنت دائمة الحضور مع الجميع وعند الجميع - في أفراحهم يقولون: آه.. وفي أتراحهم يقولون: آه - الكل ينادي باسمها: آه عليك.. وآه منك. هذا هو حال الآه التي كانت الصديقة والرفيقة لمن يناديها في أي وقت أو مكان وبكل اللغات لا تكلفك شيئا ولا تحتاج منك شيئا فقط أطلبها تحضر إليك في لحظات، وتُسمعك ما شئت من لحن المعاناة والسعادة أو الألم والقسوة. هي الآه!! لذلك تحاملت على نفسها ووجهت لومها لنفسها، أنت الآه صاحبة الحضور والقوة والصبر والجلد، تُعانين من ألم الزمن؟! آه منك يا آه!! ويا تُرى كيف سينظر إليك محتاجوك ومريدوك؟! آه.. يا آه.. هيّا انهضي بسرعة قبل أن يراك أحد بهذه الحالة من الكآبة والشقاء، انهضي يا آه «صرخت الآه في وجه نفسها» ولم تُسمع أحدا سوى نفسها وزادت معاناتها فرددت متمتمة: آه.. وآه.. الآن فقط أدركت أنني وحيدة وقد كنت أعتقد انّني من كثرة تفاعلي وتجاوبي مع الآخرين عندما أصرخ أو استغيث سيهب الكل إلى نجدتي لكني كنت موهومة فآه على آه!!. زمن تجسدت فيه قمة الأنانية واختلطت فيه المصالح وتبدلت الوجوه وسقطت الأقنعة تقول الآه لنفسها: منذ بدء الخليقة وأنا أصحبهم دون عناء أو كلل أو ملل أو مقابل وحينما أصابني الزمن بما أصابني وآثرت أن أرتاح قليلاً في غفلة عن منادي الآه واحتجت الآن لمساعدتهم -وهي مساعدة متواضعة- فقط ما طلبته منهم هو ردّ الصدى واسماعي صوتي!! بخلوا علي بصدى الآه.. فآه على آه. اعتقدت «أنا الآه» انني أملك الكل نظير ما رددتُ لهم الآه بالآه ولكنني أُصبت بخيبة أمل فاكتشفت أنانية البشر لأنني عندهم لا قيمة لي سوى اسمي آه.. فآه على آه. ماذا بقي من الجميل؟! لا شيء -تقول الآه- نعم!!، ولا شيء!!، ثم تتراجع عن قناعتها وتقول: لا..لا.. بل الجميل يظل جميلاً، فقد تذكرت الزمن الماضي الجميل الذي كان فيه بنو البشر يتفاعلون مع الآه فخلقوا النشيد والقصيد، وحتى الآلات الموسيقية تعزف لحن الآه بشقيه -الطروب والحزين- تعزف لحن الآه وتشدو بالآه. قالت الآه: آه على ذلك الزمن وناسه، وآه من هذا الزمن وبشره، وآه على آه!!. استشاري إدارة تشغيل المستشفيات وبرامج الرعاية الصحيّة