لا يكتفي التاجر بمقولة إن خيرَ دعاية للمنتَج هو المنتَج نفسه. فعينه على المنافس. لذلك يلجأ إلى الإعلان. في المقابل قد ينظر بعض المستهلكين للإعلان التجاري بعين الريبة. ربما لأن أنجح الإعلانات أكذبها. وإذا كانت طريقة العرض هي أول شكل من أشكال الإعلان، فإن الكذبةَ قد تبدأ من هنا. وعلى سبيل المثال، فإن الطبقة العُلْوية الظاهرة من صندوقِ الفاكهة أو الخضار قد تختلف من حيث الجودة والنضارة عن الطبقة التي تليها، أي التي لا يراها المستهلك. يعني «مِن برَّه رخام ومِن جُوَّه سُخام»! وهي حال يمتزج فيها الكذب بالتجمّل. يمكن اعتبار بعض الدعايات لقطات فنية ممتعة. لذلك يرى (سيمون سينك) أحد أعمدة الدعاية، أنه إذا استثنينا أمريكا فإن المستهلكين في كثير من أقطار العالم يستمتعون بمشاهدة الدعاية، لا لأنَّ المنتجات المعلن عنها أفضل، لكن لأن الدعاية قد أنتجت للتسويق والترفيه في الوقت ذاته. فهي حينا مضحكة، وحينا درامية، وأحيانا جميلة وحسب. للدعاية وسائلها. وقد ساهم الشعر في الترويج لبعض السلع منذ أيام «قُلْ للمليحة في الخمارِ الأسود». وفي هذا السياق ينقل الأديب والخطاط العراقي الراحل محمد سعيد الصكار بعض الطرائف عن الدعاية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. ومنها الإعلان التجاري عن «باجة إسماعيل» المشهورة: «هاتِ يَسْماعيل هاتِ/ تَرَه انفَكَّتْ مِشْتَهَاتي/ باجَتَكْ طيبهْ ولذيذة/ ولسَّهْ لذَّتْها بلَهَاتي». والباجة من الأكلات الشعبية المعروفة في العراق والخليج وتتكون من رأس وسيقان ومعدة الأغنام. ومن تلك الطرائف أن شركةَ طبَّارة وعبود المنتجةَ لسجائر غازي تضع داخل كل علبة سجائر دعاية هي عبارة عن بيتين من الشعر العامي العراقي نظمهما الشاعر معروف الرصافي. ومن دعاية هذه السجائر، أيضا، البيت التالي: «لو كان قَلبكْ محتصِرْ متْوازي.. لا تنقهرْ، دخّنْ جِكَارة غازي». ومع أن المقصود من ذلك إزاحة الهم عن النفس، إلا أن البيتَ مناقض للحقيقة الطبية التي تؤكد التأثير السلبي للتدخين على القلب. طبعا لا تلزم الشركات المنتجة آنذاك بالتحذير من أضرار التدخين المتمثلة في السرطان وأمراض الرئة، وأمراض القلب والشرايين». اختلفت الحياة فلم يَعُد الشعر وسيلة دعائية، وفي بلدان الغرب بالذات أصبحت المرأة غايةَ الإعلان ووسيلته. فهي حاضرة في تسويق أية سلعة (من علبة الماكياج إلى كاسحة الثلج). ويلاحظ أحد أساتذتي في علم الاتصال قائلا: أتفهم أن تكون المرأة حاضرة في الدعاية عن فستان زفاف، أو علبة ماكياج مثلا، أما ما لا يمكن فهمه فهو أن تكون حاضرة بغنج عند الدعاية عن جرّافة زراعية، أو شاحنة نقل سيارات! يسعى السيد المعلِن إلى إرضاء المستهلك، وتحاول وسائل الإعلام أن تدلل المعلِن وتكسب رضاه. وتبدو المواقف من الإعلان متفاوتة. وفي حين ينظر المسؤول الإداري والمالي في المؤسسة الإعلامية إلى الإعلان باعتباره رافداً مالياً مهمّا، ينظر محرر الصفحات الثقافية في الجريدة إليه باعتباره آفة ستلتهم الصفحات. وفي ذروة حماسته للأدب والثقافة، ينسى أن راتبه غيضٌ من فيض تلك الإعلانات. تكتسح الإعلانات التجارية كثيرا من المواقع الإلكترونية وروابط البحث التي يتلقى منها المتصفح معلوماته، لذلك ترى كارول بارتز وهي مسؤولة سابقة في ياهو أنه لا يوجد ثمَّة وجبة مجانية، وتخاطب المنزعجين من الإعلانات التجارية بالقول: إذا كنتم لا تريدون أن تروا إعلانات تجارية فابحثوا عن المعلومات التي تريدونها بالطريقة التي تشاؤون خارج إطار روابط البحث!