أعرف أن بعض القراء لا يصل الى ما أقصده من كثير من المقالات.. وذلك إما لعجز فيه أو لعجز في لغتي التي لا تستطيع الكشف عن وجهها في كثير من الاحيان... وأظن أن المقال الآخر «الساحق1» كان من ذلك السرب غير المفهوم.. ويأخذني الظن الى ان بعض القراء كان يود ان في يده حجرا يصل الي فهو يعتقد اني اسخر من العلم وما وضعه بين يدي البشرية وعقولها من الفتوحات القريبة من الاعجاز او هي اعجاز. كلا.. كان المقال سخرية من الجهل والابتعاد عن اضواء العلم ودروبه الى بلادة الجهل والسير في صحاري «اللامعقول» ذلك لأن العلم يحتاج الى ان يصبح الانسان مثل الشجرة تبدل أو تجعل شبابها مستمرا بتجديد اوراقها وثمارها، والانسان الذي لا يطور ذاته ليس هناك فرق بينه وبين الحجر، فالحجر لا يمكن ان يغير نفسه. ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم ماذا يعني المتنبي من كلمة العقل؟ انه يعني العلم فلا عقل بدون علم.. العلم اذن جهد شاق وسهر وكدح وشقاء ولكنه شقاء عذب لأنه المزيد من فهم الحياة والسيطرة عليها، اما الجهل فهو سبات وهو عدم الاحساس بخنجر الشقاء المنغرس في خاصرة الجاهل دون الشعور به. جان جاك روسو «1712– 1778م» كان يرى ان العلم والادب مفسدان للطبيعة البشرية العفوية: (كان يعتقد ان الناس ليسوا مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم معلنا ان من يعيشون منهم على الفطرة معزولين عن المجتمع يكونون رقيقي القلوب خالين من اية بواعث تدفعهم الى ايذاء بعضهم بعضا). ومن يقرأ سيرة روسو لابد ان ينشطر بين احترام آرائه في «العقد الاجتماعي» واحتقار اشياء اخرى في حياته ولا يستنكر قول نيتشه فيه: «روسو ذلك الرجل العصري الاول... المثالي والوغد في شخص واحد المريض بقرف مسعور من ذاته ذلك الطرح الذي ضرب اطنابه عند عتبة الازمنة الحديثة». ولم يكن روسو وحده نافرا من العلم والادب بل هناك قطعان طوال التاريخ يعتبرون العلم والادب اضاعة للعمر.. وها نحن الآن، الآن وليس غدا، قريبون من دمارهم نسمع صوت معاولهم في البشر والحجر في كل ما تسمى البلدان العربية. هل تعلم ان هناك من ينادي ب «اسلحة المعرفة» وهل تفهم منه غير إلغاء الابتعاث؟