دراسة تأصيلية تطبيقية، أنجزتها الدكتورة جميلة زيان حول موضوع صناعة التميّز عند المرأة من منظور إسلامي، وقد اجتهدت مشكورة في الكشف عن النصوص المفيدة في الموضوع، عن طريق السبر الجاد في مختلف مصنفات السيرة النبوية، وخاصة منها ذات الصلة المباشرة بسيَر «سيدات بيت النبوة»، وقدمت ثمرة اجتهادها في مباحث متنوعة شغلت 111 صفحة، تضمنت إضافات وتنقيحات زادت من قيمة عملها السابق في الطبعة الأولى. وقد تصدّرت الدراسة مقدمة مفيدة ذات عبارات مُشيدة، تفضّل بها الأديب الدكتور عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة المغربية ومحافظ الخزانة الملكية. فكرة الدراسة بدرت كما قالت صاحبتها، من دافع الحاجة إلى التأكيد على أن صناعة التميّز إنما هي صناعة إسلامية أصيلة، وأنها اليوم -أكثر من أي وقت مضى- ضرورة لبعث عناصر التميز في عموم الأمة، ومدخل من مداخل التأسيس لمنهج سديد يروم التماس القراءة المثمرة لنصوص السنة النبوية، بغاية تجديد الفهم والتحفيز على الإنجاز الفذ والواعي. من هذا الباب حاولت الكاتبة النفاذ إلى مطلوب بحثها، فقد أكدت بعد هذا البيان، أن الصناعة التي اختصت بها المرأة خلقة ووظيفة هي المورد الحقيقي لتميّز الإنسان ككل، وهذه الحقيقة -كما قالت- هي التي حركتها لإنجاز هذا البحث، عساه يسهم في توجيه المرأة إلى تلك النماذج النسائية التي أفصحت عنها السنة النبوية، وعساه يرشدها لاستمداد عناصر القوة والتميز منها، حتى تتبوأ مواقع التمكين التي تستحقها في المجتمع الإسلامي. في مدخل دراستها، تنبّهت الدكتورة زيان إلى ما قد يعترض القارئ من إشكال وإبهام قبل مطالعة بحثها، ولذلك خصّصت مدخلا إفهاميا للدراسة وَسَمَته ب «صناعة التميّز: تعريف وتأصيل» فعرّفت بكلمتي الضميمة الاصطلاحية، ثم أوضحت الفرق بين مقصود صناعة التميّز في المنظورين الغربي والإسلامي، على اعتبار أن المصطلح قد نما في المنظور الغربي في ظل البيئة التنافسية الرأسمالية العالمية الحريصة على تحسين الخدمة والجودة وإنشاء الثروة، بيد أنه في المنظور الإسلامي ينطوي على أبعاد إصلاحية وتنموية وحضارية، يتكفّل البحث الجاد والدؤوب في نصوص الوحي وتراث السلف بإحالتها إلى عناصر دافعة للتميّز الفردي والجماعي في الأمة. الكاتبة لم تفوِّت الإشارة إلى أن صناعة التميّز في المنظور الإسلامي صناعة ثقيلة في الميزان الشرعي، ببعديه الدنيوي والأخروي؛ وهذا -بحسبها- تحيل عليه إفادات القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أن الممارسة التطبيقية لصناعة التميّز تجلت كذلك واقعا في الذات المحمدية على مستوى إحسان العلاقة مع الله، وعلى مستوى إدارة الذات وتنمية المهارات الشخصية، من قبيل الثقة بالنفس وتقدير الذات وقوة الاعتقاد في الفكرة وتحديد الهدف والالتزام والإصرار، وتحسين وتطوير القدرات الذهنية والمهارات التربوية، والمحافظة على النظافة والتناسق، والشعور الإنساني الفياض وانعكست الممارسة التطبيقية لصناعة التميّز أيضا على مستوى ما سمّته «إدارة فريق العمل»، فالرسول صلى الله عليه وسلم جسد ذلك في ما عبرت عنه بفن اختيار الرجال، وفعالية التفويض وتوزيع المهام، وبإتقان فن التحفيز والتشجيع، إلى جانب مظاهر أخرى تجلت على مستوى التواصل والاتصال مع الآخرين، فبهذه الأخلاق والمهارات المتميزة كان صلى الله عليه وسلم يمهّد الطريق أمام الناس للتفوّق والتميّز أفرادا وجماعات، ووفق هذا المنهج تربّت المرأة كما الرجل في «مصنع التميّز النبوي» فبرزت إمكانات النساء ومهاراتهن، وصنعن بذلك التميّز الذي لُمس في أنفسهن وفي مجتمعهن.