ما الذي يدفع الشاب الوديع لإطلاق حكم التكفير العام على أبناء بلده الذي احتضنه بين كتابٍ وسنة؟ وما الذي يدفع مقاتلي «داعش» للتفنن في قتل الأبرياء ثم جزّ رؤوسهم؟ ألم يفكر الأول في موقفه أمام ربّه وهو يُسأل عن كل هذه الملايين التي كفّرها؛ شخصاً شخصاً؟ ألم يتأمل الثاني في بربرية ما يقترف؟ إن الطبيعة التركيبية لمثل هذه الشخصيات معقّدة جداً، حيث إن دراسة هذه الحالات يجب أن تؤخذ على محملين: الأول النوازع الطبيعية في الشخص، والثاني مسارات التفكير غير السويّة. إن كثيرا من العائدين الذين انخرطوا سابقا في جماعات متطرفة- تتميز بتعطّشها للسلطة على الناس وإراقة الدماء لمن خالفها – أثبتوا أن الغيرة الشرعية كانت هي مقصدهم الأول، ولكن صغر سنّهم والحسابات المشبوهة التي تديرها أيدٍ ملوّثة صفوية استطاعت أن تستدرجهم باحترافية، بعيداً عن نظر مجتمعهم، بل كانت عملية التجنيد تتم بإقناع المتطرف بمدى الإثارة والمغامرة التي تنتظره، وبالفرصة التي أتته لكي يغير العالم! لكن المتطرف سرعان ما يكتشف أنه انضم لمجموعة جعلته كبش فداء لتنفيذ مخططاتها، بقيادات حانقة على السعودية، ليس لديها من العلم الشرعي أي رصيد! لقد شرفت قبل أيام بلقاء سماحة مفتي عام المملكة ضمن وفد (40 مختصاً في قضايا علاج الإرهاب) وتنظيم حملة السكينة لتعزيز الوسطية وهي تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية فكانت بداية صحيحة لكشف الصعوبات التي يمرّ بها علاج المتأثرين بالفكر العنفي، والتنقيب عن جذور المشكلة وتفريعها، ولمستُ من المداخلات جانباً جديداً يبحث بواقعية و تتبُّعٍ دقيق، بدءاً من الجانب النفسي، البطالة، الفراغ، صراع الدعاة، الاستفزاز الإعلامي، وهذا اللقاء قدمّ نموذجاً جمعياً فريداً، وستكون مخرجاته محل اهتمام كبير. وقد استمع سماحته بكل اهتمام للأطروحات المتنوعة بين ذكرٍ للصعوبات، والمقترحات، والمبادرات، وعلّق عليها بشفافية تامة، وتلمّس مواطن المشكلة للوصول لنقطة انطلاقة ومسالك اتفاق يسير عليها مختصون، إذ بتوحيد الجهود الفردية والمؤسساتية تتحقق أدنى درجات الخسارة لهؤلاء الشباب المغرّر بهم، وتتم الوقاية الاستباقية لآخرين.