من أعظم الأسئلة البشرية التي من الممكن أن يطلقها الإنسان تجاه نفسه، والاهم من ذلك هو القدرة على الإجابة عن ذلك السؤال المحوري والهام والمصيري، حيث ستبنى على هذه الإجابة الكثير من التوجهات والأعمال والعلاقات ومسار الدراسة والتخصص وما نحب من وظائف وما نكره من مهام أو واجبات. ازعم انه سؤال المليون دولار حقيقة،ً لان الكثير من البشر بكل أسف لا يسألونه أصلا، وإذا سألوه فلا يجيبون عليه بالطريقة الصحيحة من خلال الاختبارات المحكمة والوسائل المعتمدة لاكتشاف الشخصيات وفهم النفسيات واختبار القدرات. وعلى الضفة الأخرى فمنهم من يتعاطى مع الموضوع بحس العاطفة المفرطة حيث تغيب العقلانية وتطغي المشاعر والنزوات والتقليد الأعمى للآخرين، ناهيك عن من يشغلون أنفسهم بمعرفة الناس معرفة عميقة ولكنهم يجهلون الكثير عن أنفسهم وهذه مفارقة غريبة وعجيبة نكاد نراها يومياً. الإجابة عن سؤال: من أنا هو الطريق إلى الإجابة عن سؤال: أين أنا الآن وأين يجب أن أكون؟؟ لا يمكن أن ينطلق الإنسان في رحلة الحياة وهو يعيش غيبوبة عقلية ونفسية كبيرة، فالتخبط هو سيد الموقف والاجتهادات الشخصية هي الغالب على الحال، والحياة الشخصية والعملية لا تعرف طعم التخطيط ولا التنظيم ولا حسن التصرف ولا رشد القرار. كيف يريد إنسان هذا الزمان أن يعرف أين المكان الذي يبدع فيه وينتج ويستمتع ويتألق وهو أصلا لا يعرف قدراته أو نقاط قوته أو ضعفه، والغريب في الأمر أن البعض يحس انه على كل شيء قدير وأنه نجم ساطع في كل سماء وهذا الكلام لا يمكن أن يقبل في عالم لا يقبل إلا الاحترافية في العمل والتخصص الدقيق، حيث تضحك الدنيا لكل من عرف نفسه فانطلق مما يحب ويتقن وابتعد عن ما لا يحب ولا يتقن وتعبس في وجهه التائه الحائر الذي لا يدري الى أي سماء يطير!! تطالعنا الدراسات أنه على مستوى العالم هناك 18% من الناس فقط يحبون مجالات عملهم وأن أكثر من 50% من الامريكيين على سبيل المثال يعملون في غير تخصصاتهم الدراسية التي امضوا فيها سنوات طوال وهذا يدل على أن إشكالية من أنا من أكبر الإشكاليات التي يعاني منها الإنسان الباحث عن السعادة والنجاح والمال والطمأنينة والحب. فكيف له أن يحقق ذاته وهو قد يجيب عن هذا السؤال متأخراً وقد لا يجيب أبداً.