هنالك خطان رئيسيان لتحليل دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي. الأول، الذي يفضله الساسة الشعبويون المناهضون للتكامل الأوروبي، ومفاده أن ألمانيا تسعى إلى عكس النكسات التي حدثت في القرن العشرين والسيطرة على أوروبا بوسائل أخرى. أما الثاني، الشائع لدى المعلقين السياسيين والأعضاء الآخرين للنخبة الأوروبية، فهو أن الذنب الألماني حيال النكسات التي حدثت في القرن العشرين يحول دون تمكينها من ممارسة القيادة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي حقيقة. إذا قدمت الأسابيع العديدة الماضية أي دليل يمكن أن نسترشد به، فإن التقارير المتعلقة بالموانع الألمانية كانت مبالغا فيها. سنرى فيما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق مبدئي حول اليونان. على أثينا تقديم قائمة من التدابير إلى صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية - ما يسمى بالترويكا، التي تعهدت الحكومة الجديدة في اليونان بعدم التعامل معها. إذا قام المشرفون بالتوقيع على تلك الاتفاقية، ينبغي أن تذهب الخطة إلى مختلف البرلمانات الوطنية للموافقة عليها، بما في ذلك ألمانيا. وهذا الشيء لم ينته بعد. مهما كانت النتائج المترتبة، قد كان دور ألمانيا في المواجهة لافتا للنظر إلى حد كبير. تم تصوير الصراع ما بين وزراء مالية منطقة اليورو ووزير المالية اليوناني كما لو أنه كان معركة بين اليونان وألمانيا مع وجود بقية البلدان وهي تتفرج على الهامش. كان هذا انطباعا حاول المسؤولون الألمان تعزيزه بقوة وبذلوا جهودا كبيرة من أجل ذلك. يوم الخميس الماضي، كيوم آخر ضمن سلسلة مطولة من المواعيد النهائية التي تلوح في الأفق، قدمت اليونان اقتراحاً معدلاً للمناقشة. كان مسؤولو منطقة اليورو متفائلين بحذر، قائلين: إن رسالتها يمكن أن تشكل أساساً للتفاوض، ودعا الرئيس الهولندي لما يسمى بمجموعة اليورو لوزراء المالية، جوروين ديجيسلبلوم، لعقد اجتماع آخر لمناقشة هذه المسألة. في الوقت نفسه، رفض متحدث رسمي باسم الحكومة الألمانية تلك الوثيقة قائلاً: «إن الرسالة القادمة من أثينا لا تعد اقتراحاً موضوعياً للتوصل إلى حل»، وقد وصف المسؤولون الألمان الرسالة على أنها «حصان طروادة» (أي محاولة للخديعة والتسلل غير المشروع مع التظاهر بوجود أمور إيجابية). واصل وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله، الإعلان عن أن اليونان لديها بالأصل برنامج مساعدة، لذلك لم يكن هنالك شيء للمناقشة. وتحدى اليونان أن تتجرأ على تحدي الترويكا، حيث إنها ستعاني من العواقب. وذكرت صحيفة الفايننشال تايمز ما يلي: «يرفض السيد شويبله أن يناقش علنا فكرة خروج اليونان من منطقة اليورو، وقد قال مراراً وتكراراً: إن اليونان يمكنها اختيار ترك برنامج التمويل البالغ 172 مليار يورو - مع كل ما ينطوي عليه ذلك. قال في الفترة الأخيرة: «أنا على استعداد لأي نوع من المساعدة، لكن إذا كانت مساعدتي غير مرحب بها، فلا بأس لدينا بذلك». على فكرة، أعتقد أنه عندما قال «مساعدتي»، كان يتحدث حول المساعدة المقدمة من مجموعة اليورو. أخذ الأمر يبدو معقولاً – وأعترف أن هذا كان بمثابة مفاجأة بالنسبة لي - بأن الحكومة الألمانية أرادت بالفعل حدوث انقسام في نظام اليورو. لقد كان بعض المسؤولين الألمان، مرة أخرى بحسب صحيفة الفايننشال تايمز، يدعون إلى هذا المسار بالذات. يقبل المسؤولون الألمان الصقور ما يسمونه «نظرية الساق المبتورة»، التي تنص على أن اليونان جزء ينبغي قطعه مثل طرف مصاب بالغرغرينا لتجنيب بقية أطراف جسم منطقة اليورو وصول المرض إليها. يالها من صورة جميلة عندما ظننْتُ أنه لا يمكنني أن أكون أكثر حيرة أو شعوراً بخيبة الأمل، شاهدت استجابة شويبله للاتفاقية التي حصلت يوم الجمعة الماضي. ضع في اعتبارك أنه مؤلف مشارك للوثيقة الختامية، التي تلزم القادة اليونانيين الالتزام بالعديد من الوعود التي جعلتهم يفوزون بالانتخابات. بدلاً من الإشادة بحل وسط، قال: «من المؤكد أن يمر اليونانيون بوقت صعب لشرح هذه الصفقة لناخبيهم.» فهل هذا التصريح يعتبر مفيداً في جهود الساسة اليونانيون أمام ناخبيهم؟ فيما يتعلق بالأسس الموضوعية، أعتقد أن ألمانيا خاطئة، لأن البرنامج الحالي فشل ومحنة اليونان الاقتصادية ليست خطؤها تماما. لكن ضع هذا جانبا. هنالك تساؤل مختلف وأكثر أهمية يظهر: من الذي وضع ألمانيا في مركز التحكم والسيطرة؟ تعتبر ألمانيا الاقتصاد الأكبر والأكثر نجاحاً في أوروبا، ممثلا نسبة 29% من إنتاج منطقة اليورو ونسبة 24% من عدد سكانها، وقوة التصويت لديها في مختلف محافل الاتحاد الأوروبي يتم وزنها تبعا لذلك. تعتبر أيضا الدائن الأكبر في أوروبا، الأمر الذي يمنحها مكانة خاصة (ومصلحة ضخمة جدا) في المفاوضات حول الديون العامة. على الرغم من ذلك، من الناحية الدستورية لا تزال تشكل بلداً واحداً في نظام يورو مكون من 19 بلداً. بسبب حجمها وقوتها، تستطيع وينبغي عليها القيادة. ليس لديها أي حق في الإملاء على الآخرين. ولو كان قادتها على قدر من الحكمة، لكانوا تجنبوا إثارة الشكوك بأنهم كانوا يحاولون القيام بذلك تماماً. في الفترة الأخيرة أخذت ألمانيا تظهر في كثير من الأحيان وهي تقوم بتوجيه السياسات لدى البنك المركزي الأوروبي، وبخصوص الاتحاد المصرفي، وبخصوص اليونان، وبخصوص كثير من المواضيع الأخرى المشحونة سياسياً. لقد بدت أنها تفترض نفسها في موقع المسؤولية. اللوم الأكبر في هذا الصدد يتجه نحو الحكومات الأخرى في أوروبا ومختلف هيئات صنع القرار نظراً لأنهم رضخوا للوضع. لا شك أن أوروبا بحاجة فعلا لقيادة أقوى - لكن ألمانيا، في الوقت الراهن، تبدو مؤهلة بشكل سيئ. حيث يظهر جهل صناع السياسة العامة فيها بقواعد الاقتصاد الكلي المتعلقة بكل من التضخم والديون، ويبدو مسؤولوها غير قادرين على ممارسة التأثير مع ضبط النفس أو إبداء الاحترام لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي. ربما إجبار اليونان على الخروج من نظام اليورو ورؤيتها تعاني من العواقب سيعمل على تلقين الدول الأخرى درسا حول مخاطر عدم الانضباط في المالية العامة: هذا يبدو أنه طريقة تفكير برلين. لكن احتقار ألمانيا العارض لليونانيين وحكومتهم الجديدة يلقن مواطني البلدان الأخرى درساً آخر أيضاً، وهو أمر مزعج حول اتجاه الاتحاد الأوروبي الآخذ بالتطور في الوقت الحاضر. ربما سيشعرون بالخوف ويتراجعون، خشية الإصابة بالعدوى وأن يصبحوا العضو الآخر الذي ينبغي استئصاله. وربما سيتساءلون، إن كان ما وُعِدوا به هو عبارة « نحن مستعدون للطاعة لكم أيها الألمان.»