غياب المؤسسة الرسمية عن تبنّي دور في تدريب وتعليم الفنون للهواة بكل فئاتهم أو ورش وملتقيات للكبار، فتح المجال لكثير من المجتهدات والمجتهدين لولوج هذا الباب بكثير من الثقة والاطمئنان بالقبول والربح. تنشأ ظواهر التعليم الفني إضافة إلى ما يتعلمه أبناء المدارس في مدارسهم لأسباب متعدة أولها؛ حرص بعض الآباء والامهات على إلحاق أبنائهم وبناتهم في دورات يكتسبون من خلالها مهارات ومعارف وخبرات فنية. ثانيا: إحساس طبيعي لدى غالب الآباء والأمهات بمهارات فنية يمتلكها أبناؤهم ويرغبون في تنميتها، ثم العطلات الرسمية التي قد تكون فترات ذهبية للمنظّمين للإعلان عن مثل تلك الدورات. هذا خلاف ما يعتقده البعض من أن هذه الدورات قد تكسبهم فرصا للعرض والمشاركات، والواقع أن بعض الزملاء من الفنانين أو الفنانات ممن وجدوا في هذا المنحى عائدا ماديا مجديا فتحوا أبواب مراسمهم أو منازلهم أو حتى أسسوا مراكز تعليم الفن، تضم الشباب والاطفال في لقاءات يرسمون فيها أو يتحاورون مع معلميهم أو معلماتهم. وهؤلاء المعلمون والمعلمات ليسوا بالضرورة فنانين، فمعظم من يعلمون التربية الفنية في مدارسنا النظامية خريجو معاهد أو كليات تعلموا فيها التربية الفنية ليمتهنوا التدريس، وربما مثل هذه الفئة، تستطيع التوجيه وفق ما تحصّلوا عليه في تعليمهم وضمن مناهج وزارة التربية، لكنهم لن يستطيعوا أن يعلّموا فنا، فالفن يعلّمه فنان متمكّن ومقتدر يستطيع التوجيه وفق ما تلقّاه من معلمين يمتلكون المعرفة والمهارة والمقدرة. لقد حضرت- في فترات سابقة- بعض تلك التدريبات أو التعليم، فلم أجد فيها إلا حرية مطلقة للملتحقين يرسمون ما يشاءون، ولا يحكمهم التوجيه الذي يعلّمهم، وإذا كان فهو محدود ومع كثير من التحفظ، وفي المنطقة الشرقية كنت أنصح راغبي تعلّم الرسم من الفتيات، الالتحاق بالدورات التي كانت تعقدها السيدة الفنانة سهير الجوهري في مراكز رسمية في القطيف أو سيهات وربما الدمام. وهي في الواقع، تقدّم نتائج جيدة ولافتة لفتيات- تختلف أعمارهن وقدراتهن- إذا ما واصلن معها، وقد حرصت هذه السيدة منذ سنين على التعليم وفق التوجيه الأكاديمي الذي تعلمته بكلية الفنون بمصر. كثير من الدورات أو الورش أو الملتقيات لا نتائج منها، أكثر من كسب وتكسّب، وقد وجد بعض الإخوان والاخوات فرصا متاحة لذلك، حتى أن هذا الامر تعدّى إلى بعض فروع جمعية الثقافة والفنون فأصبح مجالا لدعم ميزانياتهم المتهاوية المتقشفة، ولكن للأسف بدون نتيجة تُذكر، وبدون إضافة إلى الساحة التشكيلية في مدنهم. أما المعلمات ودروسهن، فليست أكثر مما يعلّمنه في المدارس من دروس معادة في التربية الفنية وبدون ميزة فنية تفتح للموهوبين نوافذ يطلون منها على الساحة. في الثمانينيات وربما بعد ذلك فتحت الرئاسة العامة لرعاية الشباب مراسم كان يدرب فيها فنانون مقتدرون وقادرون على التوجيه. وأذكر منهم في المنطقة الشرقية الفنان كمال المعلم، والفنان عبدالله المرزوق. في الدمام والأحساء والقطيف وبعض قراها ومراكزها كسيهات، هناك دورات ومدربون ومدربات ومشرفون بعضهم يحتاج إلى تدريب، على الاقل في كيفية تعليم الفن اذا كان الهدف تعليما فنيا يضيف خبرات ومهارات ويكشف تقنيات كما يكتشف قدرات يمكن توجيهها بالشكل الامثل، ومع أهمية الملتقيات الفنية الحقيقية التي تكتشف المواهب وتنمّي مواهبهم، فإنه من الأهمية بمكان أن يرسم القائمون والقائمات على مثل تلك المشاريع، برامج ومناهج يمكن أن تكون مرجعا للمتعلمين والمتعلمات، بعيدا عن الارتجال والبساطة والعفوية التي ينظّمون بها ملتقياتهم أو دوراتهم.