من أهم ما ينبغي أن يتصف به المرء قبل الدخول في الحوارات، التي تتناول القضايا الشرعية والفكرية، التي يستهدف فيها المسلم إبلاغ رسالة سامية أو تصويب انحراف أو خطأ لدى الآخرين؛ أن ينوي قبل الدخول في الحوار هداية المخالف، فعندما تهيمن على جوانح المسلم الحرص على هداية المخالف استطاع أن يكون متجرداً من شهوة الانتصار في الحوار والذي تدفع المرء أحياناً إلى إحراج المخالف أمام الآخرين أو السخرية منه ولمزه بما لا يليق، وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال (ما ناظرت أحداً قط إلا على النصيحة، وما ناظرت أحداً ما فأحببت أن يخطئ). ما أكثر ما نرى من حوارات ونقاشات تبدو في ظاهرها حوارات هداية وإصلاح وانتفاع، وإذ بها تتحول لحالة صراعية، ترتفع فيها الأصوات، وتتدخل فيها الأهواء، فتظهر على ألسنة المتحاورين من عبارات السب أو الغمز واللمز والسخرية ما يجعلك تكاد تجزم بأن الهدف الأسمى من هذه الحوارات ضاع في دوامة التنافس وحظوظ الذات. إن عدم التجرد من الأهواء والدوافع التي تخدش الهدف من الحوار تجعل منه صورة من صور الحروب الكلامية التي تورث الضغائن والأحقاد. وفي مجتمعاتنا اليوم نرى كثيراً أن الانتماءات الاجتماعية والفكرية من انتماءات مناطقية أو قبلية أو حزبية أو مذهبية كثيراً ما تحول بين المرء ورؤية الحق أو التسليم به، فمحبة الإنسان لأصحاب الرأي الفلاني تدفعه لتبني هذا الرأي والدفاع عنه دون تمحيص، وبغضه لأصحاب الرأي الآخر يدفعه لرده وإنكاره دون تأمل وتمعن، وقد علمنا الإسلام أن نقبل الحق ممن جاء به، وفي قصة أبي هريرة -رضي الله عنه- مع الشيطان عندما أخبره عن فضل آية الكرسي في حفظ المسلم من الشياطين، قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (صدقك، وهو كذوب) وهذا درس نبوي عظيم يعلمنا قبول الفائدة ممن جاء بها بغض النظر عن فكره أو دينه أو معتقده فضلاً عن غيرها من الانتماءات الاجتماعية الزائلة.