التقدم التقني الهائل ، والتحضر المادي الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية لم يشف بعض العلل والأمراض النفسية التي ازدادت بشكل واضح حيث انتشرت اليوم آفات قلبية خطيرة ، وعلل وأمراض نفسية فتاكة منها آفة حب التشفي وإرواء الغليل، ( سرطان القلوب ) والمتأمل في أسباب هذه الآفة المقيتة يجد أن السبب الأول لحب التشفي في الآخرين ضعف الإيمان وضعف التربية وقلة المرؤة والكرامة وحب الذات مما سبب العداوة والبغضاء، وهذا أيضا من أشد أسباب الحسد... والتي حذرنا منها الدين الحنيف وتبدأ آفة التشفي في التمكن من القلب والنفس عندما يغار إنسان من إنسان آخر ( عفوا الغيرة من صفات النساء ) أو يتعرض لأذاه بشكل من الأشكال ، فكثيرا ما نرى أن من آذاه شخصٌ ما إيذاءً ماديا أو معنويا أبغضه قلبه وغضب عليه ، ومع الوقت وبسبب عدم المسارعة إلى تطييب الخواطر، وإصلاح ذات البين ينغرس في نفس المرء الحقد والبغضاء على من يكرهه ، وإذا كان الشخص غير متسامح ومتكبر مكابر قولا وفعلا تمكن الحقد من قلبه ودفعه للتشفي والانتقام من غريمه ، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه ممن يبغضه ويكرهه أحب أن تتشفى منه صروف الزمان ومحن الأيام والليالي بالتفرح عليه بوقوع حادث أو خسارة مالية أو إقصائه من مشاركات أو ندوات أوفشله في متديات ... !! ومع الأسف أن تأثير هذه الآفة يقع قريبا من الإنسان فتراه يفرح بوقوع مصيبة حتى في الأقارب والأصدقاء وتجده يضحك في أول سماع خبر المصيبة ثم يبدأ بالتأثر مجاملة مع الحضور وأحيانا تتحدث معه بنية طيبة فتخبره عن نجاحاتك العلمية أو الاستثمارية فتلمح في وجهه علامات التأثر وخوص عينيه مع توتر وتأثر حتى في أنفاسه وحروف كلماته وحركات رأسه وأطرافه فتجده يغضب ويعصب لأي سبب تافه ومن أبرز أسباب آفة التشفي أيضا قلة التجانس والمخالطة والخبرات فتجده يطلب الرياسة وحب الظهور والأنانية ، فهذا يثير كوامن النفس من الحسد والحقد على الناجحين، وتدفع المرء إلى إظهار معايب وعورات خصومه بهدف الصعود على أكتافهم ، والوصول إلى النجاح ولو على جماجمهم ، فإن عجز المرء عن ذلك اتجه إلى تشويه سمعة منافسيه رغبة في التشفي فيهم والنيل منهم، وقد تبلغ آفة التشفي مبلغها من المرء حتى نراه يبالغ في كراهية المخالفين له ويلاحقهم بالحقد وروح التشفي حتى وهم أموات ... نعوذ بالله من ذلك. فربما يحمل ما يلحق بغريمه من مكاره وأزمات على كرامة نفسه عند الله تعالى، فكلما أصابت عدوه بليَّة فرح بها وظنها مكافأة له من الله تعالى على بغضه إياه ... !! وأنها وقعت لأجله هو ... !! وكلما أصابت غريمه نعمة ساءته وأحزنته لأنها ضد مراده، وقد يخطر له أنه لا منزلة له عند الله تعالى حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه بل أنعم عليه...!! ومن العلامات والسلوكيات الملازمة لخصال المتشفي شفاه الله تجده يتجسس على من حوله حتى الأقارب والأصدقاء فيختفي خلف الأبواب والنوافذ ليسمع الكلام ويكرر الأسئلة بانفراد وليس في جماعات ليجمع المعلومة ليتحقق من وقوعها وأحيانا يتشاغل بقراءة جريدة وهو يستمع لمن حوله ويصغي لسماع المتحدثين بدقة لعله يجد ضالته في سياق الحديث ولعل كارثة الأسهم أبرزت التشفي بألوانه وحالاته حيث فرح أصحاب القوب المريضة بخسارات السوق كاملا وخسارة أقاربهم وأصدقائهم وبعضهم يعرف أن السوق سيهبط فيكم فاه ويغرر بالناس لوقوع الخسارة والضرر بأموالهم إنها كما يقول العامة قلة تربية وشيم وكرامة وحسد متراكم ومرض لذا تجد الناس سعداء يضحكون وهو تعيس بل يحترق من سعادتهم فبصفة عامة نجد أن الحسد والحقد يلزمهما البغض والعداوة، ويتبع ذلك حب التشفي والانتقام من الآخرين حتى الفقراء أو صغار السن وكراهية أن تصيبهم أية نعمة ، أو أن يلحق بهم أي خير ... وهذا مذموم ولا شك ، وليس من أخلاق الإسلام في شيء ، ولا من عادات وشيم العرب وعرفهم وسلوكياتهم حتى أنك تجد هذه الصفة أحيانا في المتعلم وأيضا في الأمي مما يؤكد أن لها أسباب وراثية وتربوية ومن أغرب أحوال البشر أن آفة التشفي هذه قد تدفع صاحبها للمكابرة والمغالطة ورد الحق وعدم قبوله، وعدم الإنصاف مع المخالفين ، فإذا وجد الشخص الحق مع غريمه لا يقبله ويرفض الاعتراف بأي فضل له، ولا يرجع عن رأيه مع علمه الأكيد أنه على خطأ؛ وذلك إمعانا في إظهار عدوه بمظهر المخطئ الظالم ، ولا نجد أي موضوعية تحكم كلامه ، بل نراه يفتقد إلى أي منطق اللهم إلا منطق الشغب على الآخرين والمزايدة عليهم بدافع الحقد والحسد والرغبة العارمة في التشفي. والمتشفي يضيق صدره جدا ويكاد يموت غما وكمدا كلما ظهر الحق مع خصمه، بل ويجتهد بشدة في رد هذا الحق وصرف الناس عنه مع علمه الأكيد أنه الحق وذلك إمعانا في الكيد لغريمه وحبا للتشفي فيه ، وهذا من أقبح وأسوأ ما يوصف به المتشفي، وقد قال الشافعي رحمه الله :"ما ناظرت أحدا فأنكر الحجة إلا سقط من عيني، ولا قبلها إلا هِبْتُه، وما ناظرت أحدا فباليت مع من كانت الحجة إن كانت معه صرت إليه". فيجب أن نحذر من شهوة التشفي الخفية في أعماق النفس البشرية؛لأنها تجر الشقاء وتجلب التعاسة للمتصف بها، فيعيش عيشة نكدة يأكل قلبه الحقد على الناس والرغبة في إفشالهم والتشفي فيهم...!! والعقلاء الأسوياء يحذرون جميعا من ذلك ، ويدعون إلى حب الناس ، والإخلاص للحق والنصح للخلق، والزهد في الدنيا لأن متاعها زائل ، ولا تستحق هذا التكالب المقيت والحرص الذميم الذي يبعد البشر عن مكارم الأخلاق ، وعلى المرء أن يصبر ويحتمل الناس على علاتهم ، ويكظم غيظه ولا يتبع نفسه هواها، بل يلتمس العذر للآخرين ، ويبتعد عن حب التشفي و الانتقام منهم مهما أساؤوا إليه ، بل يتحلى بالتسامح والتغافر والعفو والصفح، ويملأ قلبه حبا للناس وحبا للحياة الهادئة المطمئنة، بعيدا عن الصراعات والنزاعات على حطام الدنيا الزائل ، ولنتعلم قبول الآخر والتماس الأعذار له وحمل تصرفاته على الوجه الحسن، قال بعضهم الصبر على مضض الأخ خير من معاتبته ، والمعاتبة خير من القطيعة، والقطيعة خير من الوقيعة، وينبغي أن لا يبالغ المرء في البغض عند الوقيعة ومما يذهب هذه البلِيَّة من القلب بلية الحقد على الناس وحب التشفي فيهم أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم : " لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " (متفق عليه) ومما يعمِّق الحب في الله بين الناس الكلمة الطيبة ، ورد السلام و التفاهم بأخلاق المسلمين فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" (رواه البخاري ومسلم). ومن وسائل جلب الألفة والمحبة بين الناس الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله وكل ما يتعلق به، فيدعو المسلم لأخيه المسلم كما يدعو لنفسه، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنه سيأتي يوم يتندم فيه على أفعاله وتصرفاته عاجلا أو آجلا نعوذ بالله من الغل والحقد والحسد والبغضاء وآفة التشفي في الآخرين ، وكل آفات النفوس المريضة التي تشقي صاحبها وتحرمه من السعادة في حياته ، وتسلب منه الراحة والطمأنينة والسكينة والمتعة في الحياة كبقية الناس فهد عبد الله الموسى