بعد مضي سنوات عديدة على برامج الحوارات والمناقشات المقدمة من خلال الفضائيات العربية الشهيرة وغير الشهيرة والتي لم ولن يكون لها أي نتيجة إيجابية على الأطراف المتحاورة ولا المتابعة لها مما يؤكد أنها – كل أو معظم البرامج – إنما كانت غايتها ملء فراغات جداول البرامج في تلك الفضائيات، واستعراض عضلات أكثر المتحاورين، مما يدل على أن الهدف الأوحد لها هو «الحوار من أجل الحوار» أو بالأصح «الجدل من أجل الجدل» لا الوصول إلى الحقيقة والتخلص من الأخطاء والانحرافات الفكرية أو العقدية أو حتى السياسية..! وإذا كان هذا هو حال البرامج في الفضائيات فليس حال ما يجري وجرى في معظم الحوارات والمؤتمرات على المستوى المحلي أو الدولي والتي عقدت وكان مأمولا منها حلحلة كثير من المعضلات الفكرية والدينية والسياسية بين أبناء المجتمعات والدول العربية ومؤسساتها ومفكريها ورموزها الدينية بأفضل من برامج الفضائيات، فمعظم الأطراف المشاركة – إلا ما رحم ربي - لم تكن تحمل في داخلها نية الوصول إلى الحقيقة وإنما كان ثمة نوايا خفية لدى البعض وأخرى واضحة لدى البعض الآخر ناهيك عن أنه لم يكن أي اتفاق بين المتحاورين لتحقيق الوفاق الحقيقي، فكل طرف متمسك برأيه وليس لديه أدنى درجة من المرونة أو الرغبة في هجران ما عليه من فكر حتى ولو تكشفت عوراته وأخطاؤه وأخطاره..! ولو استمر الحال كما هو اليوم فلن يتغير أي وضع خاطئ، ولن يتم إصلاح أي خلل أو التخلص من أية عيوب، لأن الهدف الحقيقي وهو البحث عن الحق والرغبة الأكيدة والمخلصة للوصول إلى الصواب غير متوفر أصلا أو نسبة توفره ضئيلة جدا والذي يجب أن يكون متفقا عليه بين المتحاورين مسبقا، لأنه لو كان موجودا على أرض الواقع فإن كثيرا من المشكلات والتوترات الفكرية والسياسية والدينية ستختفي من الوجود. صحيح أن الاختلاف سنة إلهية بين البشر، ولكن هذا لا يعني أن يتمسك المرء بأي فكرة أو مبدأ حتى وإن ظهرت سيئاته وخطؤه، خاصة إن كان من قام بجهد توضيح الحقائق وتبيين جوانب القضية من زواياها المتعددة صاحب علم أو خبرة ومعرفة عميقة، وممن هو معروف بصدقه وبعده عن التعصب الأعمى والبغض والكراهية، غايته نشر الخير والحب والوئام بين أبناء المجتمع والملة الواحدة والدولة الواحدة..!