مدينة (بيروت) تشبه الشعر كثيرا في جوهر تكوينها.. تشبه الشعر في حريتها، حيث كلاهما يستمدُّ وجوده الحقيقي من هذا العنصر المشعِّ داخل الإنسان.. (بيروت) تشبه الشعر في مقاومتها للزمن، حيث الشعر يمثِّل فعلَ مقاومة ضدّ الفناء.. (بيروت) تشبه الشعر في تعدُّد قياماتها بعد كلِّ حالةِ صَلب تكابدها، وكذلك الشعر فهو يمارس هذا الفعلَ داخل كلِّ قصيدةٍ إنسانية حقيقية. أقول إنَّ مدينة (بيروت) تشبه الشعر كثيرا، لذلك يعشقها الشعراء وينتمون إليها ولا (يُقصِرون) صلتهم بها لأنها وطنٌ لكلِّ شاعر. وهُنا.. هُنا (بيروتُ) عاصمةُ الضحى، حيث الحقيقةُ ترتدي الإشراق، ربَّما أكون من الجيل الذي صحا على (بيروتِ) خلال حربِها الأهلية التي لم تنتهِ، لكنَّها تغيِّر شكلها بين حينٍ وآخر، إلا أنَّني أشعر بالأمان النفسي حينما أسافر إلى هناك. الحرب في خارج النفس أقلُّ خطرًا على الإنسان من الحرب داخلَ نفسه. الحرب في الخارج هي حربٌ بين الإنسان والإنسان الآخر، بينما الحرب في الداخل هي حربٌ بين الإنسان وذاته. لذلك فالناس في بيروت يصرُّون على الحياة ويواصلونها بطمأنينة رغم كلِّ الأحداث الدامية التي تحدث في الخارج هناك. والغرباءُ يُصِرُّون على بيروت في إجازاتهم، رغم بوصلة الأنباء التي تشير غالبا إلى جهات التفجيرات المتوالية في قلب (بيروت) وأطرافها. بينما على الضفة الأخرى، لا يفكر أحد في زيارة الأماكن الآمنة في الظاهر، بينما روح الإنسان فيها تعيش الرعب وكأنها في حرب مع أقدارها. أقول إنَّ مدينة (بيروت) تشبهُ الشعر حدَّ التطابق.. حدَّ الشبيه.. حدَّ القرين.. حدَّ أنَّك ترى القصائد تمشي في شوارعها وتبحث عن شعراء يحتضنونها بسواعدِ أقلامهم. (بيروت) استطاعت أن تعبر محنةَ الجوهر الإنساني، فلا يضيرها أن تبقى منكوبةً في المظهر، مهما طالت هذه النكبة. الإنسان في (بيروت) حرٌّ سواءً أراد أن يُقيِّد نفسه أو يطلقها، حيث القيد الحقيقيّ هو أن يُقيِّدك الآخرون فقط، أمَّا أن تقيِّد نفسك بكاملِ إرادتك فهذا خيارٌ من خيارات الحرية. والإنسان في (بيروت) كاملٌ لأنَّ النقص هو أن تتبرَّع للآخرين بأنْ يُكملوك، فلا بُدَّ منكَ لكي تُكمِلك.