كنت في المدرسة الابتدائية أردد كما يردد كثير من الطلاب، كثيراً من الحكم والأمثلة، ومثال على ذلك وليس حصراً (من علمني حرفاً صرت له عبداً) والتي كنت أختلف معها في ذلك الوقت وحتى الآن تماماً، أعلم أنها ليست بمعنى العبودية فهي لله وحده سبحانه لا شريك له، ولكن القصد منها هو رد الجميل للمعلم لعظم شأنه ورسالته. دخلت في نقاش آنذاك مع أحد المدرسين في هذا الشأن، وقال لي: ما حجتك؟، فقلت هي شيء واحد، إذا كان المعلم الذي علمني حرفاً سأصبح له عبداً، فماذا سأكون لوالدي الذي علمني كل شيء وليس فقط حرفاً ؟! بعدها صافحني المعلم، وقال (أفحمتني يا بني)، لست هنا لأستعرض قدراتي أو طول لساني حين كنت صغيراً، ولكن كان هذا مدخلاً لحديثي اليوم. كل حديث عن العقوق هو عن عقوق الأبناء وكل حديث عن البر هو بر الوالدين، ولكني لاحظت شيئاً مهماً قد يكون مهمشاً جداً، وهو (عقوق الأبناء) أي عقوق الوالدين بأبنائهم، وهذا موضوع مهم وخطير، قد يغيب عن الكثير، وله آثار سلبية قد تكون السبب الأول في عقوق الوالدين. يظن كثير من الآباء والأمهات أنهم دائما على حق مع أبنائهم، وإن كان هناك خطأ فبالتأكيد أنه من الأبناء، إما لكونه خطأ فعلياً أو لكون أن الأب والأم، أدبياً، لا يخطئان في نظر أبنائهم، كثير من الآباء والأمهات لا يحسنون التصرف مع أبنائهم في انتقاء الكلمات وردود الأفعال وطريقة اللوم والتوبيخ أو الجزاء، إن كان ثواباً أو عقاباً. مثال ذلك حين يخطئ الابن نجد ما يوجه إليه بدلاً من النصح وتبيان الخطأ الدعاء، ليس الدعاء له بل عليه، سمعت أدعية بنفسي يقشعر منها الجسد، كنا أطفالاً نلعب في البر، وإذا بجانبنا أطفال آخرون يلعبون بالقرب منا، وإذا بوالدتهم تناديهم وهم لا زالوا يلعبون فقالت: (لا تلعبون بالتراب لا يغبر علينا، غبر بكم المرض) والعياذ بالله، أو حين ينادي أحد الوالدين أكثر من مرة ويرد عليه أحد أولاده متأخراً، يقول (صقه .. ما تسمع ؟) وغيرها من الأدعية كقول (الله لا يردك) أو (عسى رقبتك الكسر) ألم يع هؤلاء بأن دعوة الوالد على ولده مستجابة؟! وأنه قد تجد بابا مفتوحا يندمون عليه طول العمر ؟ أين توجيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام برقة الكلام ولطفه وتوجيه النصح باللين والبعد عن الغلظة ؟ بعض الكلام له أثر يجعل الابن ينحرف في مسار حياته تماما، فمن شبّ على شيء شاب عليه، ما الفرق بين أن يقول (عساك المرض أو عساك الكسر)، وبين أن يقول (الله يهديك ويصلحك أو الله يلبسك الصحة والعافية، خطأ ما فعلت) سبحان الله أستغرب كيف يجرؤ قلب الوالد أن يدعو على ولده؟، حتى ولو كان من غير قصد، فمجرد تعويد اللسان على ذلك أمر في غاية الخطورة، الابن كالوردة إن عودته على الاعتناء والحماية والحفظ طوعته على ما تشاء، وأصبح فعله جميلا ومنظره أجمل، أما إن تجاهلته وقسوت عليه ذبل قلبه وجف إحساسه، فكيف تطلب منه البر وحسن التعامل، وأنت من بدأت بزرع الغلظة والنفور؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ» رواه مسلم. كما قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري. بإذن الله ألقاكم، السبت المقبل، في أمان الله. * ماجستير إدارة أعمال-جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.