أخذت مقعدي بين صفوف المنتظرين في عيادة طبيب الباطنية حتى حان دوري فدخلت غرفة الطبيب لأشرح له علتي عسي أن أجد لديه ما يطمئن بالي ويصف لي الدواء الشافي، وبعد الفحوص السريرية المعتادة وإجابتي عن أسئلته إذ به يمسك قلمه ويسطر تلك الرموز التي لا يقرؤها أمثالي ممن يجهلون قراءة الوصفات الطبية فكل ما أعرفه أنها الأدوية التي سأستخدمها فسألته عن الجرعات بكمياتها ومواعيدها فضحك وقال إنها ليست للصيدلية وإنما هي للمختبر واعتذرت لجهلي بهذه الرموز وتوجهت إلى المختبر لإعطائي أحد أوعية العينات التي تخصصها المختبرات لهذا الغرض بعد أن يشرح للمراجع نوع العينة المطلوبة. ففوجئت بأن الوعاء الذي تسلمته من المختبر لا يتجاوز إصبع اليد طولا وحجما وقلت لنفسي يمكن ذلك للدم ولكن من سيساعدني على إخراجه بدون تلوث، كل ذلك دار بخلدي في ثوان معدودة ولكنني لم أخجل من السؤال ويظن أنني أعلم بنوع العينة المطلوبة بأنها نقطة عرق وليست نقطة دم ففغرت فاهي مشدوها مما قال وكررت كلمته عرق ثلاث مرات فكان رده بالإيجاب فصرت أتمتم بكلمات لا يفهمها أحد عرق. تحليل. عينة. كل تجاربي التي مرت مع الأطباء والمستشفيات تقول إن التحليلات المخبرية لبني البشر ثلاثة لا رابع لها فما عساني اليوم اكتشفه هل هو اختراع لطب جديد يعرف ما تحمله حبيبات عرق تفصدت على جبين إنسان أم عسى تلك الشريحة الزجاجية ستكون بمثابة ورق ابيض تسطر عليه تلك الحبيبات مكونات ذلك الإفراز وأسبابه فكل ما اعرفه أنها فسيولوجية طبيعية متجانسة عند بني البشر. وهنا خطرت فكرة قد تكون هذه الافرازات مستثارة بقوة الطرد وهذا ما يهم أي طبيب معالج لمعرفة تلك القوى الطاردة لها فعرق الكادحين وعرق المصابين بالحمى مستثار، وعرق الشخص الخجول مستثار، وعرق من يسترخي في حمام السونا مستثار، والعرق من حرارة الجو مستثار، والخلل الهرموني للإفرازات يكون من قوى الطرد لتلك البلورات العرقية وتشكل عوامل استثارة لها. فهنا أعود للتساؤل هل تختلف الجزيئات الذرية المكونة لها؟ فحسب اعتقادي انه لا بد من وجود اختلاف حيث إن الغدد المنتجة لها جزء لا يتجزأ من أعضاء التكوين في جسم الإنسان فهل تنفعل وتتفاعل مع محيطها كجزء متمم لوجودها وتؤثر وتتأثر كأي عضو له تركيباته مثل مرض الزكام فهو غالبا ما يجلب معه الصداع ويفقد المصاب حاسة الشم نظرا للارتباط العضوي بينهما. فلو أتينا إلى ذلك التبويب لفئات العرق لوجدنا أن عرق الكادحين إفرازاته غزيرة دائما وبشكل مستمر مما يتسبب في توسيع شعبه ومسالكه ويهيئ الروافد المغذية له بشكل طوعي واختياري إلى الاستعادة لمدة بالمزيد دون أن ينضب فهي الأخرى استعانت بروافدها السخية كي لا ينضب ذلك المجرى وتتوقف مسيرة ذلك الإنسان، ومن هذه الاستمرارية تتحدد لك الصفات التكوينية لذلك الكادح، فهو يمتاز بالقوة الجسدية وطول النفس وقسوة في الجلد، وهذه كلها آثار التفاعلات الداخلية لذلك الجسم، حيث إن أوعية التنفس أخذت بالتمدد والاتساع وتصلبت العضلات وأصبحت مفتولة وتراكمت طبقات جلدية لتكون درعا واقية لذلك الكادح. أما حبيبات العرق المستثار من حمام السونا فلا بد أنها تختلف في تكوينها عن الأولى، حيث إنها في حالة ركون دائم تفقد به بعض خصائصها مثل الفواكه المبردة التي تفقد بعض فيتاميناتها الأصلية عندما كانت طازجة، فهي الأخرى فقدت من كثافتها وملوحتها الشيء الكثير عندما تعرضت لعملية التخثير الذي تسبب في تراكمات دهنية وترهلات جسدية لذلك الإنسان الذي أصبح خاملا يتعذر عليه أداء مهماته الأساسية تجاه الوطن وتعيق نشاطه ليكون ترسا في عجلة الإنتاج. أما العرق المستثار بالرياضة فهو متباعد في جزيئاته الذرية وساخن وأشبه ما يكون بمصبات مائية عالية لتوليد الطاقة فهو يحتاج إلى مصدات وريش وملفات نحاسية ليتمكن من الاستفادة منها وجعلها طاقة منتجة ذات فعالية. الخلاصه انه بالإمكان الاستفاده من العينات الثلاث لتظهر لنا النوعية الجديدة التي لا تعرف الخمول والكسل ولا تترهل بالدهون وتصاب بالشلل. باحث وكاتب