تخيم لعبة الانتظار المؤلمة على الأردن، وكشفت مصادر أردنية رفيعة المستوى أن قنوات الاتصال بين عمّان وداعش قائمة، أملا في إطلاق طيارها الأسير معاذ الكساسبة، بعد يوم من الإعلان عن إعدام الرهينة الياباني كينجي غوتو، ويتطلع رئيس الوزراء الياباني لإصدار قانون يلغي حظرا على قتال الجيش الياباني في الخارج لمساعدة الحلفاء الذين يتعرضون لهجوم, وان طوكيو تبحث عن إطار عملي يسمح لجيشها بإنقاذ اليابانيين الذين قد يواجهون خطراً، وطالب مجلس الأمن الدولي تنظيم داعش بالإفراج الفوري عن كل الرهائن الذين يحتجزهم، واصفاً إعدام الرهينة الياباني كينجي غوتو بأنه جريمة بشعة. إدارة المفاوضات وفي التفاصيل، أكدت المصادر المقربة من مطبخ القرار الأردني أن وفداً أمنياً أردنياً يترأسه مسؤول أمني كبير، متواجد في تركيا، لإدارة ملف المفاوضات عن قرب، ويواصل الوسيط التركي جهده لمعرفة مصير الطيار الأردني والعمل على إطلاقه، وهو الجهد ذاته الذي يبذله وسطاء من زعامات العشائر العراقية السنية. والمفارقة أن إصرار الأردن على إبقاء المفاوضات حيّة، جاء رغم وجود تيار كبير داخل خلية الأزمة المعنية بملف الطيار يعتقد أن الكساسبة قد فارق الحياة، إما على يد التنظيم أوعبر غارات جوية استهدفت مناطق الرقة السورية التي أسر فيها منذ نهاية ديسمبر الماضي. وكشفت مصادر وثيقة الاطلاع بخلية الأزمة الأردنية عن أن الأردن فقد المعلومات عن طياره الأسير قبل أربعة أيام من إعلان التنظيم مهلته الأولى. وأكدت ل"الجزيرة" أن عمّان كانت تعلم مكان وجود الطيار، وأنه لا يزال حيا من خلال صور الأقمار الصناعية وصورة أرضية تم التقاطها للكساسبة عبر هاتف محمول وصلت بالفعل إلى مؤسسة الأمن الأردنية. من جهته، تمنى والد الطيار الكساسبة أن يكون نجله حيا، وقال صافي الكساسبة بصوت متقطع حزين: "لا نعلم إن كان إعدام الرهينة الياباني سيعقد المهمة أم يسهلها، لكن أملنا بالله كبير ونسأله تعالى أن يعجل بالفرج". وأضاف: "لا أمتلك أي معلومات واضحة حتى الآن، لكنني أطالب الدولة الأردنية بكل أجهزتها أن تسرّع في إطلاق ولدي". المفاوضات هدف داعش وفي السياق، قال مايكل ويس، المحلل المتخصص في شؤون الإرهاب ومؤلف كتاب "داعش: من داخل جيش الرعب" إن التنظيم انتصر فعليا في المواجهة حول مصير الطيار، معاذ الكساسبة، وذلك بأنه أرغم الدولة الأردنية على التفاوض معه كما نجح بدفع الأردنيين إلى الخروج إلى الشارع وانتقاد حكومتهم، مضيفا أن داعش سيتعامل مع الكساسبة بشكل مختلف عن سائر الأسرى لديه نظرا للتاريخ الطويل من الصراع مع عمّان. وقال في مقابلة مع CNN، رداً على سؤال حول ما يريده تنظيم داعش من المفاوضات مع الأردن: "المفاوضات بحد ذاتها هي الهدف النهائي للتنظيم، بمعنى أنه يرغب في الحصول على اعتراف الآخرين به ك"دولة" والتعامل مع قيادته وكأنها حكومة قائمة بذاتها، وهذه هي الفكرة الأساسية من وراء إعلان قيام الخلافة، والحصول على موافقة الأردن على إجراء مفاوضات حول مصير الطيار الكساسبة يهدف إلى دفع عمّان نحو التعامل مع التنظيم بشكل مباشر وليس نبذه وشن حرب عليه واعتباره حركة إرهابية." وحول ما إذا كان من الخطأ التفاوض مع التنظيم رد ويس بأن هذا لم يمنع أمريكا من القيام بالأمر عينه قائلا: "أمريكا ترى ذلك، لأن الرئيس أوباما اعتبر أن داعش هي حركة إرهابية وليست دولة ولا يجب التعامل معها. لقد تفاوضت أمريكا مع تنظيمات تعتبر إرهابية، مثل حركة طالبان، من أجل مبادلة جندي أمريكي كان أسيرا لدى الحركة بسجناء في غوانتانامو، وقد صنفت واشنطن طالبان منذ عام 2001 كحركة تمرد مسلح ولكنها مع ذلك فاوضتها، وداعش تراقب عن كثب هذه الأمور وتنظر إلى كيفية تصرف الدول التي تعمل على محاربتها، وما يظهر لها هو النفاق الأمريكي في هذا المجال." شرخ التحالف واعتبر ويس أن التنظيم تمكن من النجاح في مساعيه بإحداث شرخ داخل التحالف الدولي قائلا: "من بين كل حلفاء أمريكا في المنطقة يبرز الأردن كبلد هو الأكثر تعاطفا مع الأهداف الأمريكية في محاربة الإرهاب وداعش ينظر إلى الأمر بشكل ذكي محاولا استغلال قضية الطيار الأردني لوضع العصي في عجلات التحالف الدولي." وأضاف: "هذا يظهر من خلال المظاهرات التي خرجت في عمان لمطالبة الحكومة بالعمل على الإفراج عنه والتصريحات الصادرة عن والده، لقد خاطر الناس في الأردن بتوجيه انتقادات إلى الملك علما أن هذا الأمر يعتبر جريمة تستحق السجن، وبالتالي فإن داعش قد انتصرت فعليا، بصرف النظر عمّا يمكن أن يحصل لاحقا.. هذه المفاوضات تحظى بتغطية واسعة، ما يخدم المخططات الدعائية لداعش الباحثة عن شرعية دولية." وحول امتناع التنظيم حتى الساعة عن تلبية الطلب الأردني بتقديم دليل على حياة الكساسبة، قال ويس: "عدم وجود دليل حياة لدى التنظيم ليقدمه عن الكساسبة ليس إشارة جيدة، نحن لا نعرف مصيره ولكن مستويات التفاؤل ليست مرتفعة." مجلس الأمن من جهته، طالب مجلس الأمن الدولي تنظيم الدولة الإسلامية بالإفراج الفوري عن كل الرهائن الذين يحتجزهم، واصفا إعدام الرهينة الياباني كينجي غوتو بأنه جريمة بشعة. وأدان المجلس في بيان ما سماه "الجريمة البشعة والجبانة" التي ارتكبها تنظيم داعش بقطع رأس الصحفي الياباني غوتو، السبت. وقال مجلس الأمن: "إن المسؤولين عن قتل كينجي غوتو سيحاسبون على ذلك"، داعيا إلى "الإفراج الفوري والآمن وغير المشروط عن كل الرهائن" الذين يحتجزهم تنظيم الدولة وأفرع تنظيم القاعدة الأخرى. موقف اليابان وفي اليابان، قال رئيس الوزراء شينزو آبي، أمس: إنه يريد بحث إطار عملي يسمح للجيش الياباني بإنقاذ اليابانيين الذين يواجهون خطرا بعد قيام مسلحي داعش بقتل الصحفي كينجي غوتو. وأضاف أمام لجنة برلمانية بعد يوم واحد من إعلان تنظيم داعش قتله غوتو وهو ثاني رهينة ياباني يتم قتله أن الوسيلة الوحيدة لمحاربة الإرهاب هي التعاون مع المجتمع الدولي وتعزيز آليات ضمان سلامة اليابانيين. ويريد آبي إصدار قانون هذا العام يلغي حظراً على قتال الجيش الياباني في الخارج لمساعدة الحلفاء الذين يتعرضون لهجوم. وسيكون هذا التغيير أكبر تحول في السياسة العسكرية اليابانية منذ إعادة تنظيم القوات المسلحة اليابانية قبل 60 عاما بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.