في يوليو 2012 أتيحت لي أول فرصة لزيارة استوديو التلفزيون السعودي بالدمام، فمنذ تأسيسه لا أذكر اننا أجرينا حديثاً عنه ولم أستمع لمن يتواصل ثقافياً مع الاستوديو وإن كان هناك نشاط وجهد يومي يمارس فيه، لكن كان واضحاً أن الاستوديو بعيد عن قطاعات ومجموعات واسعة من الحراك الثقافي والاجتماعي في المنطقة، اللقاء كان مع أ. نهى الناظر في برنامج صباح الثقافية، وأتيح لي التجوّل في أقسامه وتجهيزاته الضخمة، وقد سبق لي زيارة مقرات واستوديوهات عديدة لا تملك هذه الإمكانيات مع وجود نشاط ثقافي واعلامي وفكري كبير عبر هذه المقرات المحدودة. وهنا قضية مهمة، فبلا شك أن مسار اعتماد خطط البرامج والفعاليات مرتبط بوزارة الثقافة والاعلام وهناك مساحة لفريق الإدارة في الاستوديو، حريص عليها الأخ والزميل أ. سعيد اليامي بكل تأكيد، ونحتاج الى تفعيل في كلا الجانبين، من المهم الآن أن تدخل الوزارة في هذا الحيّز الذي غابت عنه طويلا وتسقط هذا الجمود في تفاعلها مع استوديو الدمام، ما نقصده أن هنا في الشرقية أرثا حضاريا ضخما وحراكا ثقافيا وفعاليات إبداع وتواصلا اجتماعيا وجسورا حيوية مع ساحل الخليج العربي دولاً ومجتمعا. وهناك سجلات ابداع وحراك للمؤسسات والشخصيات الاجتماعية تحتاج الى مساحة كبيرة للبث والإنتاج لا يمكن ان تبقى رهينة قناة واحدة، فاليوم للكويت 9 قنوات متعددة ولدول عربية عديدة كذلك، ومع وجود قنوات إخبارية واقتصادية وثقافية للتلفزيون السعودي وبث للحرمين، لكن لا تزال نسبة النقل لهذا الحراك والتميّز الشرقي ضئيلة جداً، فعودة البث من تلفزيون جدةوالدمام أمرٌ مهم للغاية مع بقاء نشرات الاخبار موحدة كمتطلب رسمي لتوحيد اللغة ونقل الأخبار. وامام هذا الغياب هناك مساحة واسعة لحركة الاعلام الجديد والحضور التلفزيوني المتعدد، في حين لا يستذكر مواطن الشرقية وجود تلفزيون لديه أمام غيابه عن شرائح واسعة وعديدة وعدم تفاعله في برامج جذب حوارية وثقافية واجتماعية، كما أن للمنطقة فضاء خاصا في لغة الحوار والوعي وامتدادها الجغرافي، ولديها القدرة على انتاج برامج مشتركة مع الجغرافيا الخليجية، وبرامج للعائلة والطفل، بسِمات قريبة من أهل المنطقة وتنوّع يغني ويُسعد كل مشاهد سعودي وعربي يتعرف على هذه المسارات في اللغة والخطاب الثقافي والفكري والحياة الاجتماعية البسيطة. لا أعرف ما مساحات وساعات البث المتاحة للأستوديو في القنوات، لكن أيضاً يحتاج الفريق المحلي أن ينفتح على الحراك الثقافي والاجتماعي وخاصة في الأحساء المغيّبة عنه وأن تشمل فقراته وبرامجه مجالات ثقافية ومنتجا خاصا لتاريخ الشرق والاحساء وعمقها العربي والإسلامي والإنساني القديم بجسور مع مصادره المتعددة وهو ما يعزز ثروة الوطن الفكرية، وممكن جدا أن يَرعى التلفزيون مهرجانا للمسرح الشبابي ومسرح الطفل الذي تحتضن الشرقية عددا كبير من مبدعيه. كما أن مؤسسات العطاء الاجتماعي التطوعي وتجاربها الشبابية في «اطعام» وغيرها يحتاج التلفزيون ان يكون حاضراً في فعالياتها وربطها بالاتصال المباشر، إن من المهم للمنطقة أن يُنفّذ بها برنامج خاص مع شركة أرامكو لدعم هذه الفعاليات وضم تلفزيون الدمام الى برنامج اثراء المعرفة، كما أنه من الجميل أن ينفّذ برنامج خاص عن شركة أرامكو بحيث يعرض تجارب الموظفين وقصص وحكايات الرجل الارامكوي كما يطلق عليه شعبياً، وفقرات خاصة باحتياجات المجتمع من أرامكو. وقد نفّذت «إم بي سي» و «روتانا خليجية» عددا من الحلقات عن الشأن والاحتياج المحلي لمناطق في الشرقية تعاني من أزمات نوعية وتلفزيون الدمام أولى وهنا الحاجة لبرنامج يحمل صوت المواطن لاحتياجاته ويستدعي المسؤول وهذا بلا شك يحتاج قرار دعم من الوزير، قد يكون للاستوديو حضور في مساحة ومتابعة شعبية، لكنه قطعا ليس بالقدر ولا المستوى الذي نأمل به أن يكون حاضراً مترَقَبَاً ولو في بعض برامجه عند جمهور الشرقية ومن يحب أن يتابعه، فالقضية ليست مبنى وتجهيزا فقط، بل منتج يسجل بصمته. * كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي