في الساعات الأولى من فجر الجمعة الفائت، وبمزيد من الأسى والحزن، وبرضا بقضاء الله وقدره، استقبلت المملكة قيادة وشعباً نبأ وفاة القائد الوالد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى. ومع أن كل نفس ذائقة الموت، إلا أن القدر حين حل كانت الدعوات تنهال بتلقائية وحب عظيم من الناس لفقيدهم الكبير، وفي وقت فضيل في الثلث الأخير من ليلة الجمعة، وعندما تمت الصلاة عليه -تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته- و ووري جثمانه الثرى كانت الألسن والقلوب تلهج بالدعاء له في آخر ساعة من يوم الجمعة التي يتحرى -بإذن الله- أن تكون ساعة استجابة. مقدار الفقد ومسافة الألم، ترتبط كماً ونوعاً بمقدار الحب ومسافة القرب، وبقدر ما كان الملك عبدالله -رحمه الله- محباً لشعبه ومحبوباً من شعبه، بقدر ما كان الفقد صعباً ومؤثراً، ولقد كانت تلقائيته -رحمه الله- حين يتعلق الأمر بالوطن والشعب أنموذجاً فريداً قرّب المسافات بين حاكم وشعبه حد التوحد والاندماج، فلم تأت مناسبة إلا وكان -رحمه الله- يركز على جانبين مهمين يحملهما في قلبه الطيب، فيترجمهما لسانه بكل بساطة، وهما: التمسك بالدين، وخدمة الشعب. وحين نتحدث عن خدمة -المغفور له بإذن الله- للإسلام والمسلمين، فلا يمكن أن تكفيها المجلدات، فكيف بمقال محدود، لقد كانت مواقفه -يرحمه الله- وأعماله ويده الكريمة تمتد بالخير لكل مسلم في كل أصقاع الأرض، ولعل من أهم ما قدمه خدمة لدينه وللمسلمين: التوسعة التاريخية الأكبر للحرمين الشريفين، والمشاريع الجبارة في المشاعر المقدسة، التي سهلت على الحجاج والمعتمرين أداء النسك بكل يسر وسهولة. أما عن خدمته -جعل الله الجنة مثواه- لشعبه، فقد كانت ملموسة في جميع جوانب الحياة، لقد كان لشعب المملكة في قلب فقيدنا الوالد مكانة لا تضاهى، وكم كان يوصي جميع المسؤولين وفي كل مناسبة بخدمة الشعب والقيام بكل ما يحقق لهم الرضا والسعادة، كنا نرى تلك الوصايا العظيمة لأمراء المناطق وكذلك للسفراء، لقد كان يشدد عليهم في تلمس احتياجات أي مواطن في الخارج وتقديم أقصى ما يمكن له من خدمة. إن ذلك القرب الشديد، كون علاقة من الود والاحترام والامتنان لقائدنا الفقيد، الذي خدم دينه وشعبه بكل إخلاص، فنسأل المولى -عز وجل- أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم من خير وما بذل من جهد وعطاء في مسيرة حياته الكريمة، وطوال مدة حكمه الرشيدة. وفي وقت كان المغرضون ينتظرون الارتباك، وكان المتربصون يأملون الاختلاف بعد وفاة ملكنا المحبوب، رأينا ورأى العالم درساً سياسياً فائق الجودة في الانتقال السريع، وبكل انسيابية للسلطة والحكم، وترتيب المناصب القيادية العليا بشكل سلس، فيتولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- الحكم ملكاً للمملكة العربية السعودية، ويتولى ولاية العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ثم تصدر الأوامر الملكية الكريمة التي يكلف فيها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، لتدخل المملكة في لحظة تاريخية فارقة، مرحلة جديدة في تولي أحد أحفاد المؤسس -طيب الله ثراه- هذا المنصب القيادي الرفيع. إن المملكة ما زالت -بفضل الله وتوفيقه- تثبت للعالم أجمع متانة وقوة وصرامة حكمها وحكومتها، وهي التي كانت وما زالت تحتل المكانة الكبيرة إقليمياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي الذي يعرفه العالم أجمع. لقد امتزجت دموع شعب المملكة في يوم الجمعة الفائت، عندما فقدوا قائدهم الحبيب الملك الصالح العادل عبدالله، امتزجت بحالة من الاطمئنان والتفاؤل بغد مشرق مفعم بالخير والنماء والاستقرار والأمن والأمان، تحت قيادة ملكنا وقائدنا الحبيب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده، وولي ولي عهده، سائلاً المولى القدير أن يحفظهم بحفظه، ويمدهم بعونه وتوفيقه خدمة لدينهم ووطنهم وشعبهم، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. * تربوي