في كل منعطف كبير، تثبت هذه البلاد - بفضل الله - صلابتها وتماسكها وقدرتها على المضي قدما في طريقها الناصع الذي تأسس على يد الملك المؤسس «طيب الله ثراه»، وزرع في نفوس مواطنيها الثقة في استمرار النهج في البناء والتطوير وتحقيق الأمن والأمان، فبالأمس فقدنا قائدا تاريخيا عظيما، ورمزا إنسانيا عالميا حظي بتقدير العالم بأسره، منذ أن استثمر في سنوات حكمه التسع كل تفاصيل الوقت لينجز لبلاده ولأمته ما لا يُمكن إنجازه في أعوام عديدة، فقدنا الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز «رحمه الله» الذي قاد بلاده في فترة من أحلك الفترات التي شهدها العالم العربي والمنطقة، واستطاع بحكمته وبصيرته النافذة أن يحمي هذا الوطن من شرور تلك الفتن المحدقة، وأن ينصرف للإصلاح والتجديد في أضخم ملحمة نقلت الوطن إلى مصاف الدول الكبرى، ورغم عظم الفقد، وحجم المصاب إلا أن التقاليد العريقة التي تميزت بها قيادة هذا الوطن وشعبها الوفي، وكالعادة، أنجزت نقل السلطة في غضون ساعة واحدة وبسلاسة لا يُتقنها سوى السعوديين حكاما ومحكومين، لتتم مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» ملكا للبلاد، ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا للعهد، ونائبا أول لرئيس مجلس الوزراء، وبصورة تعكس بجلاء أصالة هذه القيادة، وأصالة هذا الشعب وحضارية أسلوب نقل السلطة، لتقطع الطريق على كل المتشككين والخراصين، وكل من في قلبه مرض، ولتؤكد متانة اللحمة بين القيادة والأمة، ليس هذا فحسب، وإنما لتبعث برسالة في منتهى الوضوح والقوة إلى العالم أجمع بضمان استمرار هذا السياق الناعم في انتقال السلطة، من خلال مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية، إلى جانب تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيسا للديوان الملكي، ووزيرا للدفاع، لترسم خارطة مستقبلها عبر القيادات الشابة على المدى الطويل، مما يعكس روح التفاهم والثقة في صفوف القيادة، وسعيها إلى تثبيت قاعدة تداول السلطة وفق منهج دولة تتوخى الوصول إلى كل ما يُرسّخ الأمن والرخاء لهذا الوطن ومواطنيه، واستمراره على ذات النهج الذي صنع مجده وحضارته، وحقق له كل هذه المنجزات الوطنية الكبرى التي يفخر بها كل مواطن، وأنجز له بالنتيجة هذه المكانة الدولية المرموقة سواء على مستوى الاقتصاد أو الموقف السياسي، وجعله محط أنظار الأمتين العربية والإسلامية، وموضع القسطاس فيهما. لقد جاءت هذه الأوامر الملكية الكريمة لترسم أمام العالم مستقبل هذا الوطن، وصورته المتجددة التي تظل تتمسك بعرى العقيدة، وتمضي في مدارج الرقي وأنساقه، مستثمرة هذا الواقع الحضاري الباهر الذي يجعل من كل مرحلة من مراحل تاريخ هذا الوطن إضافة نوعية لسابقتها، ولبنة جديدة تضاف إلى بنيان هذا الوطن، الذي ساهم في بنائه كل القادة والملوك الذين تعاقبوا على تحمل أعباء المسؤولية فيه، حتى أصبح بهذا القدر من التمام، ومن النضج، ومن الضمان باتجاه المستقبل، مما يسقط رهانات البائسين والمتربصين الذين حاولوا مرارا، ومع كل منعطف أن يسوقوا أوهامهم، وما في نفوسهم المريضة، لتأتي الإجابة الشافية ليس فقط في هذا الانتقال السلس للسلطة، وإنما أيضا في الإعداد للمستقبل البعيد، بهذه القيادات الشابة التي تشكل الضمانة الحقيقية للاستقرار والرخاء وسيادة الأمن، والعمل على كل ما يسعد أبناء هذا الوطن ويطمئنهم على مستقبل أبنائهم مهما اشتدت العواصف من حول بلادهم، ومها ادلهمت الخطوب، طالما أنعم الله علينا بقيادة من وزن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أعانه الله على حمل هذه الأمانة، وهو الركن المكين في السياسة السعودية، ورجل الدولة الذي ساهم إلى جانب كل أشقائه في تثبيت أركان هذا الوطن، وتمتين عرى مستقبله. رحم الله فقيدنا الغالي، ووالدنا البار عبدالله بن عبدالعزيز، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه فيما قدم عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، وأنعم على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده، وسمو ولي ولي العهد بالصحة والعافية للسير بهذه البلاد في طريق التنمية والنمو والبناء الذي لا يستكين ولا يتوقف.