جاء موعد خاص جدا وذهب في الأسبوع الماضي: الذكرى الخامسة عشرة لاندماج «أميركا أون لاين» مع «تايم وارنر». عندما تم الإعلان عن الصفقة، تباهت الشركتان بأنهما تتمتعان معا بقيمة سوقية تبلغ 350 مليار دولار. كانت الفكرة هي إحداث المزاوجة بين شركة تكنولوجيا (وهي شركة «أميركا أون لاين» للإنترنت) مع شركة «تايم وارنر»، امبراطورية الإعلام والإنتاج الفني. الآن، وبعد انفصالهما مرة أخرى، تبلغ قيمة «أميركا أون لاين» 3.6 مليار دولار، و«تايم وارنر» 68.9 مليار دولار. وكانت أبرز نتيجة لتضافر الجهود بين الشركتين ربما هي خسارة 99 مليار دولار تم تسجيلها في عام 2003. ومن المؤكد أنه لا يمكن لأي من الشركتين أن تتمكن من تحقيق ذلك من تلقاء نفسها. ويعتبر زواجهما أحد أسوأ الزيجات في سجلات تاريخ الأعمال. كموظفة سابقة في «تايم وارنر»، يبدو من الملائم إحياء تاريخ هذه المناسبة عن طريق حرق الكثير من المال الذي من الممكن أن أضع يدي عليه، وطرد جميع أصدقائي، وقطع الاشتراكات في تلفزيون «تايم وارنر كيبل» ومجلة تايم. تلك الأفكار قد تبدو مدمرة وغير ضرورية الحدوث، ولكن أود أن أؤكد لكم أنه نظرا للنتائج المالية المتحققة عن ذلك الاندماج، فإن هذه تعتبر أفكارا عظيمة في ذلك الوقت. مع ذلك، تجاهلت الصحافة هذه الذكرى، ربما لأنها ذكرى تثير الاكتئاب. المراسلون بدلا من ذلك يسمعون من التنفيذيين وهم يقولون إن إمكانات النمو والابتكار عند تقاطع التكنولوجيا مع وسائل الإعلام لا تزال ضخمة. أصحاب رأس المال المغامر استثمروا مئات الملايين من الدولارات في شركات خلق المحتوى في العام الماضي. صناع الصفقات متحمسون حول إمكانية تعزيز الصناعة أيضا. مع ارتفاع مستوى اقتصاد الشركات الناشئة، شركات وسائط الإعلام التي تقدم نفسها على أنها هجينة تجمع بين وسائل الإعلام والتكنولوجيا تحصل على دعم رأس المال المغامر وتنمو بصورة أكثر قيمة من شركات وسائط الإعلام التقليدية. تفيد التقارير بأن فوكس ميديا Vox Media تستحق قيمة سوقية تبلغ حوالي 380 مليون دولار، أما باز فيد BuzzFeed فتقدر قيمتها بحدود 850 مليون دولار، وشركة فايس Vice بحدود 2.5 مليار دولار. بالمقارنة، صحيفة نيويورك تايمز العريقة لديها قيمة سوقية بحدود 1.8 مليار دولار. ويحاول بعض اللاعبين من المدرسة القديمة إعادة تشكيل أنفسهم كلاعبي تكنولوجيا، أيضا، على ما يبدو من أجل تعزيز إمكانيات النمو التي يتصورون وجودها. على سبيل المثال، تصف مجلة فورتشن الآن ديزني على أنها محرك قوي في عالم التكنولوجيا، على الرغم من أن الجزء الأكبر من إيرادات الشركة يأتي من المحتوى مثل الأفلام والرياضة. وحيث إن المال الحقيقي ينهال في الوقت الحاضر على تقاطع التكنولوجيا والوسائط، قد يكون في الواقع الآن هو الوقت المثالي للتفكير في صفقة «أميركا أون لاين»- «تايم وارنر». لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل: هل من الممكن أن تكون فكرة تقييم شركات الإعلام، بنفس الطريقة التي نقدر فيها شركات البرمجيات، هي فكرة جيدة أصلا؟ هل هي فكرة جيدة أن تستحوذ شركات التكنولوجيا على ممتلكات وسائل الإعلام، وخاصة الشركات العريقة، وأن تدفع مقابل ذلك تكاليف ضخمة؟ أود أن أعلم فقط ما أنواع التآزر أو التعاضد التي يمكن أن تولد إيرادات كافية لدعم هذه التقييمات الكبيرة؟ لقد تغير العالم كثيرا منذ ذروة فقاعة الدوت كوم، ولكن لا يزال لدى التكنولوجيا ووسائل الإعلام عروض قيمة مختلفة جدا. البرمجيات تعتبر أعمالا ذات هوامش ربحية عالية نسبيا. وبمجرد أن يتم دفع التكاليف الأولية للتصميم، فإن معظم الإيرادات تتدفق لتصبح أرباحا. ومن السهل التوسع في الشركة دون زيادة التكاليف بنفس المعدل. المحتوى هو أكثر تكلفة من حيث إنتاجه لأنك بحاجة إلى بحر من البشر لإنشائه من الصفر مرة أخرى ومرة أخرى. لا يمكنك التوسع فيه من دون زيادة كبيرة في عدد العمالة والتكاليف. تتقلص الهوامش إلى ما هو أبعد من ذلك عندما يكون لدى شركات وسائط الإعلام نفقات عامة، مثل الصحف المطبوعة، التي تلتهم الأرباح. أما بالنسبة ل«أميركا أون لاين»- «تايم وارنر»، الدرس الرئيسي الذي يجدر بنا أن نتذكره هو أن التوزيع الرخيص لا يعمل تلقائيا على خلق قيمة بالنسبة لمنتجي المحتوى. عندما تم توزيع المنتجات المطبوعة لشركة تايم بثمن بخس على الإنترنت عبر شبكة «أميركا أون لاين»، انخفضت في القيمة: نموذج التوزيع الجديد سبب الأذى للطلب على الإعلانات المطبوعة عالية التكلفة. اليوم، شركات بث الموسيقى عبر الإنترنت توصل الموسيقى للمستمعين بأقل تكلفة من أي وقت مضى، لكنها لم تجعل الأمر أكثر ربحية لشركات الإنتاج الفني والموسيقيين عند إنتاج الموسيقى. باز فيد وغيرها من الشركات دفعت مبلغا قليلا جدا للحصول على محتوى أمام القراء والمشاهدين، ولكن الإعلانات عبر الإنترنت وحدها لا تكفي لدعم غرف الأخبار المتزايدة في حجمها. هذا هو السبب في أن هذه الشركات تقوم بتجريب أشياء مثل الإعلان الأصلي. الفكرة هي أن الإعلانات الأصلية (التي كانت فيما مضى توصف بأنها إعلانات المحتوى الافتتاحي أو المحتوى المدفوع) يجب أن تجلب مالا أكثر من الطريقة المألوفة في عرض الإعلانات. وتقوم باز فيد ببناء وكالة إبداعية داخلية لمساعدة المعلنين، والتي يمكن أن تساعدهم على توليد المزيد من العائدات. لكننا لا نزال لا نعلم ما إذا كان يمكن بناء أعمال مستدامة على رأس الإعلانات الأصلية. الدروس المستفادة من «أميركا أون لاين»- «تايم وارنر» تقول لنا أيضا ان المحتوى هو الأساس وهو أهم ما في الأمر، ولكن لا يمكنك أن تبالغ في الدفع من أجله والنجاح فيه. حيث استخدمت «أميركا أون لاين» سعر سهم مبالغا فيه لتقييم شركة تايم في ذلك الحين ودفعت أكثر من 160 مليار دولار للحصول على شركة كانت أرباحها تزيد قليلا على مليار دولار. (لاحظ أيضا أن أرباح أميركا أون لاين كانت أقل من ذلك) عندما تبين أن «أميركا أون لاين» دفعت مبالغ تفوق السعر الحقيقي والسليم، اضطرت إلى اتخاذ قرار بشطب أصول بمبالغ ضخمة. وكان خفض الوظائف وحزام التشديد اللذان تليا قد أعاقا التكتل، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انشقاق شركة «أميركا أون لاين» و«تايم وارنر» كيبل وشركة تايم وتفكيك الشركة الأم.