الاعتداء الحدودي الذي أودى بحياة رجلي أمن خلال قيامهما بواجب أمني محض لحدود الدولة والمجتمع -رحمهما الله وألهم ذويهما الصبر والسلوان- يحتاج أن نتناوله من زاوية مهمة تتجاوز العرض إلى أصل المسار والظاهرة وتطورها، ولم يكن تبني تنظيم داعش الإرهابي للعملية مفاجئاً، بل كان في ذات السياق المتوقع لعقلية التفخيخ الثقافي التي يصنعها التنظيم في عناصره، والتي لا تعتني مطلقاً بأي سياقات شرعية أو إنسانية أو رؤى تحذرها من خطورة توسعة الحرب إلى مناطق الخليج العربي والحدود السعودية، كما أنّ ذلك يأتي في سياق التداخل الإقليمي الشرس في حروب داعش، والذي يخضع لمصالح صراع لا يهمها مطلقاً مصلحة المملكة وأمنها الحدودي، مقابل التخلص من داعش في أراضيها واستثمار هذا التخلص في مسار سياسي وعسكري أمني ضمن توافقاتها. والصورة اليوم تتجسد عبر الرؤية الاستراتيجية لجهات التعاطي هنا في حرب داعش، فليس كل حلفاء الحرب لهم زاوية موحدة إنما بينهم مسافات بعضها خطير حين يدفع به على حساب الطرف الآخر، ونحن هنا يهمنا أمن الدولة القومي والحدودي ضمن هذا الصراع، فنظرية التحالف القائمة اليوم بين رؤية الولاياتالمتحدة والجمهورية الإيرانية تعتمد بالضرورة على دفع داعش عن مناطق نفوذ الحكم الحالي للعراق بحسب مصالح الدولتين والتحالف الطائفي الحاكم، وليس بحسب مصلحة العراق العربي. كما أن الموقف من سوريا اليوم بين العاصمتين مع شريك من فصائل كردية تخضع في الأصل لنفوذ طهران ودمشق، يقوم على تحويل هزيمة داعش التي بدأت تتراجع اليوم أمام الأكراد في كوباني وفي مواقع أخرى ضمن ذات الشراكة الثنائية على الأرض ووفقا لاندفاعاتها الجيواستراتيجية، وعليه فالخطة هي تحويل الهزيمة الداعشية إلى مقدمة لتعزيز حسم الأسد السياسي العسكري، وأين ستذهب داعش المتراجعة أو المتشظية لا يهمهم بل قد يُستخدم هذا التفويج إيرانيا ضد المملكة والخليج العربي. أين المفصل المهم للأمن القومي الحدودي أمام هذه التركيبة؟، المفصل هنا أن تراجع داعش أو انتصارها النسبي على فصائل الثوار أو ضد القوات الطائفية في العراق أو قوات الأسد كمعارك محدودة لن تصل لحسم لصالح داعش، التي في تقديري بدأت سجل العد العكسي لها مهما حققت من انتصارات تُصبغ بعاطفة إعلامية لتوهم الأتباع بانتصار تاريخي لها، وهذا المفصل يناقش أين ستتجه تحركات داعش المهزومة والمغبونة، أو المحصورة فتُحاول أن تجد لها ميدان تخفيف ضغط بضرب عمق مدني على أساس طائفي، أو بدفع الحرب نحو الحدود مع المملكة. هذا البعد وكما هو معرورف في سياسة الصراعات للدول صديقة أو حليفة يخضع لتحقيق معيارها الأمني أولاً، ثم تلتفت للأصدقاء بحسب مصالحها، وعليه فإن لدى الشريكين كل من زاويته رؤية مصلحية قد تهدف لترك تسرب دعش نحو مناطق الحدود أو الحروب العابرة التي ستواجهها الحدود السعودية، وهنا نفهم تماما فكرة التواجد في داخل العراق والتحرك فيه بالدبلوماسية العربية لكنّه تواجد ليس قادرا على اختراق قواعد اللعبة الرئيسية بين طهران وواشنطن في بغداد وكوباني. ولذلك فالمملكة تحتاج إلى مسار إقليمي منافس معلن أو غير معلن يسعى لتحييد هذا المشروع مع ذوي مصالح أمنية مشتركة، سواء كان ذلك في البعد الإقليمي الآخر الذي يخشى من ذات المخاوف السعودية على حدوده وهو تركيا، بغض النظر عن خلافات أُخرى مع انقرا فهنا مسار مصالح مشترك محض، مع العودة الفعّالة لدعم مشروع التنظيم الجديد لفصائل الثورة السورية المعتدلة الذي بدأ بالفعل، لكنه يحتاج إلى تضامن اجتماعي أكبر ومصارحة تُحيّد أي تطرف في داعش أو غيرها عن تنظيم الصف القتالي ومشروعه السياسي وتضع تصورها لما بعد الثورة سواءً بخضوع النظام لمعادلة جديدة بعد انتصارات ميدانية، أو لمستقبل الشعب السوري المنهك، وفي كل الأحوال هذه الرؤية المصلحية للشعب السوري تتطابق مع مصالح الحدود للمملكة ولتركيا معا، ولذلك ذكرناها كقاعدة مصلحية تستخدم للأمن القومي. ما يهمنا هنا أن سيناريو دفع داعش للحدود الوطنية يحتاج إلى تطويق إقليمي باعتماد عناصر استراتيجيات فاعلة تستقطب حلفاء تتطابق مصالحهم على الأرض وليس مجرد أحاديث شركاء عابرة لن تحقق أي مدار تنفيذي للأمن الحدودي القومي.