كان رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي، يرجو ألا يعيش هذا اللحظة أبدا: هبطت الأسعار الاستهلاكية في منطقة اليورو إلى نسبة 0.2 بالمائة، وفقا لإحصائيات ديسمبر المنشورة للتو. الانكماش - فترة مستمرة من انخفاض الأسعار بحيث تثبط عزيمة المستهلكين عن الإنفاق والشركات عن الاستثمار- وهو أمر يهدد بتفاقم الصعوبات الاقتصادية للكتلة الأوروبية. أمضى دراجي معظم عام 2014 في إنكاره المخاطر، مدعيا أنه يشعر بالتفاؤل حول فرص البنك المركزي الأوروبي في تحقيق هدف التضخم بنسبة 2 بالمائة على المدى المتوسط. في النهاية، اعترف الأسبوع الماضي بأن الهدف لن يتم تحقيقه. لقد استغرق الأمر من دراجي وقتا أطول بكثير مما ينبغي لتقبل تلك الحقيقة. وهو يواجه الآن الحرب على جبهتين، في الوقت الذي يواجه فيه اقتصاد أوروبا المتدهور الأزمة السياسية التي تلوح بالأفق في اليونان والتي تهدد عملة اليورو نفسها. لا شك أن الانهيار في أسعار النفط يمارس تأثيرا كبيرا على مؤشرات التضخم، بحيث ارتفع مؤشر التضخم للسلع الأساسية (باستثناء أسعار الطاقة والمواد الغذائية) فعليا إلى نسبة 0.8 بالمائة الشهر الماضي. مع هبوط النفط ما دون 50 دولارا للبرميل هذا الأسبوع، من المرجح أيضا أن تكون أرقام التضخم الرئيسية في منطقة اليورو سلبية للأشهر القليلة المقبلة. إن التوقعات مرتفعة لأنه خلال الاجتماع القادم للبنك المركزي الأوروبي في غضون أسبوعين، سوف يعلن دراجي أخيرا عن برنامج لشراء السندات الحكومية؛ من أجل ضخ السيولة في الاقتصاد. نظريا، التسهيل الكمي الذي من هذا القبيل ينبغي أن يحرر رأس المال من أجل زيادة الإقراض المصرفي للشركات. ومع ذلك، تقترح النظرية الاقتصادية بأن الانكماش يحول دون إنفاق رأس المال، نظرا لأن الشركات تصبح مقتنعة بأن ذلك الاستثمار سوف يغدو أرخص من أي وقت مضى. بوجود الانكماش فعليا، قد يأتي التسهيل الكمي متأخرا بعد فوات الأوان ولن يفيد في إنقاذ الاقتصاد الأوروبي. لا عجب أن المستثمرين يدفعون بعائدات السندات الحكومية عبر أوروبا إلى مستويات متدنية قياسية، بحيث تراجعت تكلفة المال في ألمانيا لأجل 30 عاما إلى نسبة قياسية عند 1.12 بالمائة، وهذا نصف ما كانت عليه خلال منتصف العام الماضي وأقل مما كانت عليه قبل 4 سنوات بنسبة 4 بالمائة. نظرا لأن هنالك فرصة ضئيلة بأن يعمل التضخم على تآكل عوائد السندات في السنوات المقبلة، يبدو المستثمرون مستعدين لقبول عوائد أقل جراء الأمن الذي يتصورونه لاكتناز النقود في سندات الحكومة الألمانية. علاوة على ذلك، سوف يعقب ذلك الاجتماع المقبل للبنك المركزي الأوروبي 3 أيام قبل أن يقوم اليونانيون بانتخاب حكومة جديدة. يقول الزعيم الحالي بحسب استطلاعات الرأي، أليكسيز تسيبراس من حزب سيريزا، إنه يريد إعادة التفاوض حول أعباء الديون في اليونان. ومع ذلك، تقترح الصحافة الألمانية أن أنجيلا ميريكل قد تفضل رؤية اليونان تخرج من اليورو أكثر من قيامها بتخفيف الظروف التقشفية المحيطة بعملية إنقاذ اليونان. وفي تصريح له لتلفزيون بلومبيرج اليوم، قال مايكل فوكس، وهو نائب رفيع المستوى في حزب ميركل: «من الناحية النظامية، لم يعد الشعب اليوناني ذا صلة الآن، لذلك فأنا لست متخوفا حول أي بلد آخر». لذلك قد يجد دراجي نفسه يقوم بشراء السندات الحكومية من بلدان منطقة اليورو في وقت ما، بينما يهدد أحد الأعضاء من الناحية العملية بالخروج من العملة المشتركة، وتبدو البلدان الأعضاء الأخرى غير عابئة حول تلك الإمكانية. هل هذه محاولة لإعادة إحياء النمو الأوروبي في نفس الوقت الذي يتعرض فيه مستقبل اليورو للخطر؟ سوف يحتاج ماريو لقوى خارقة ليتمكن من تحقيق ذلك.