يكرر كثير من الناس وصف مستشفياتنا الحكومية ب «مستشفيات الموت»، وبعيداً عن تفصيلات الأخطاء الطبية وغيرها مما يحدث في تلك المستشفيات، فإن تلك الأخطاء لا يتحملها الطبيب المتسبب وحده في أي خطأ طبي أو تشخيصي، والسبب من وجهة نظري: أن المسألة الصحية هي منظومة متكاملة في: بنية المستشفيات وتجهيزاتها، وإداراتها، وطاقمها الطبي. ولذلك فهل كل مستشفياتنا تتحقق فيها هذه التكاملية النظامية بما يجعلها في مصاف المستشفيات الراقية؟ هل كل مستشفياتنا تتحقق فيها معايير الجودة العالمية في مختلف تجهيزاتها وطواقمها المختلفة؟ بطبيعة الأمر لا! وما دامت الإجابة هكذا فما هو موقع الميزانيات الضخمة التي تنفقها الدولة على هذه المستشفيات؟ خذ على سبيل المثال مسألة الألوان، ومثال ذلك ألوان أصباغ الجدران في مستشفى الأمير سعود بن جلوي ومستشفى الملك فهد بالأحساء ومستشفى الولادة والأطفال، كيف تراها من ناحية تأثيرها النفسي على المرضى وعلى الزائرين؟ وحتى لا أستفرد برأيي في الأمر فقد سألت أكثر من شخص زار المستشفيين في الفترة الأخيرة فأبدوا امتعاضهم واستهجانهم من تلك الألوان: «الكئيبة» «المقرفة» «اللي تجيب الغلقه» على حد تعبيراتهم، وبعضهم لم يتكلم بكلام سوى تعابير وجهه المنفعلة والتي توحي بأنه يتروح رائحة غير لائقة! أضف إلى ذلك ما يتلبس المريض المقيم في تلك المستشفيات من حالة التعب والألم النفسي! وهو يظن أن به مرضاً عضوياً، والخلاصة: ان للألوان دورها الفاعل في إدخال المريض إلى حالة الصحة والبهجة إذا كانت ألواناً فاتحة مريحة باردة، ولها دورها المدمر في إدخال المريض إلى أسوأ حالاته الصحية إذا كانت ألواناً لا تتقبلها طبيعة النفس. ولو تتبعنا ثقافة الإنسان في الحضارات القديمة لوجدناه قد اعتنى بمسألة الألوان والإضاءة في تصميم المنازل والبيوت والمعابد، واستخدم لكل مكان ألوانه المناسبة لحالة المعيشة، ووظف الزجاج في تكوين منظورات بصرية عالية الضوء أو خافتة، ولو تابعنا أهم منجزات التصميم الداخلي في العالم الحديث، لوجدنا تصاميم قمة في الرقي اللوني والضوئي بما يخدم حالة العيش الطبيعي للإنسان، وبما يتواءم مع مستويات الطاقة، وضغط الدم وغيرهما، والسؤال: لماذا تغيب عن مستشفياتنا كل هذه الفلسفة اللونية في البنية الأساسية؟ ألهذه الدرجة غاب الوعي عن أهميتها ودورها في مسألة الصحة والتشافي من الأمراض؟ يحجز بعض الأثرياء غرفاً في بعض مستشفيات العالم، ويقيمون فيها أياماً، لكن تلك الإقامة هي بمثابة الإقامة في منتجع صحي تتوفر فيه كل متطلبات الراحة والاسترخاء، وممارسة الأعمال الخاصة التجارية والرياضية، ولذلك فليس المستشفى مكاناً كئيباً كما هو لدينا! ولكنه يفترض أن يكون مكاناً مريحاً وملهماً وباعثاً على الراحة. إذا تخلصنا من فكر «إدارة الصحة» التي تنتهجها وزارة الصحة لسنين طويلة، وتخلصنا من فكرة «المقاول الوطني» الذي أساء كثيراً في بناء البنية التحتية للمستشفيات، ووجهنا الميزانيات الضخمة لشركات عالمية تعيد تأهيل كل مستشفيات المملكة بناء على معايير الجودة المتكاملة بنيوياً وتشغيلياً وصحياً، فسننعم بتنمية صحية مشرفة، وإن كان ولابد فأقترح على مجلس الوزراء أن ينتخب إدارة متكاملة للإشراف على المشاريع الصحية والتعليمية والخدمية، ويكون طاقمها من شركة أرامكو، وذلك بحكم تجربتها الرائدة في إدارة المشاريع والجودة العالية في المنتج، بحيث تكون أرامكو على قمة رأس الهرم، والوزارات تقوم بالتنفيذ بما يحقق الرفاهية للوطن والمواطن. * باحث في الدراسات الثقافية