المواطن السعودي يعيش اليوم ثقافة عش يومك، ولا يفكر في الادخار بعد أزمة الثقة والضربات المتوالية والصدمات التي تلقّاها من سوق الأسهم والأداء المخيب للآمال للصناديق والمنتجات الاستثمارية التي تقدمها البنوك وخاصة من غالبية الأشخاص الذين لديهم مبالغ محددة جدا تتكون من رواتبهم فلا مصدر آخر للدخل يستطيعون بواسطته الاستثمار في العقار وفتح المشاريع الصغيرة، واستمرار هذه الثقافة قد يخلق نوعا من الصراع والتوتر في الأسرة والمجتمع، لأنها مرتبطة بأهم الحاجات الإنسانية وهو الشعور بالأمان الحياتي خاصة ما يواجهه الفرد والأسرة من متطلبات استهلاكية نتيجة للتضخم مما دفع الكثير للاستمرار في سياسة الاستهلاك عن طريق القروض، وتحمل الكثير من الفوائد والدخول في دائرة لا تنتهي من الديون. اليوم الدولة أنشأت البنك السعودي للتسليف والادخار، ورغم أهمية هذا البنك إلا أنه اتجه إلى سياسة التسليف فقط، وعزّز هذه الثقافة الاستهلاكية حتى وإن كانت تتجه نحو المشاريع الصغيرة التي ستنعكس بشكل غير مباشر على الدخل، مع أن الهدف الرابع من إنشاء البنك هو العمل على تشجيع التوفير والادخار للأفراد والمؤسسات في المملكة وإيجاد الأدوات التي تحقق هذه الغاية، فأين هذه الأدوات والمنتجات الادخارية؟ أعتقد أن الهدف الرابع من إنشائه هو هدف هام جدا في مثل هذه المرحلة كونه مرتبطا بالأمن الاجتماعي والأمن المادي للأفراد والأسرة، وقد استبشرنا بتصريحات سابقة لمدير عام البنك أن هناك منتجات وبرامج ادخار سترعاها الدولة خلال هذا العام، وبدأ العام ونحن نتعطش وننتظر تلك البرامج التي طال انتظارها. أعتقد أننا بحاجة لأكثر من مؤسسة ادخارية ليحدث توازن مع جميع البنوك والمؤسسات التي تقدم قروضا وبرامج استدانة متنوعة، وفي هذه الجزئية تحديدا جانب آخر يتعلق بالوعي نفسه، وهو دور لا يمكن أن ننتظره ممن يقدّم هذه القروض وإعلاناتها المتنوعة أن تقوم بهذا الدور لأنها عملية ربحية لها، لذا هي مهتمة بزيادة أعداد المقترضين لا نقصانهم أو تضاؤلهم، وأعتقد أنها لن تتورع في إيداع أحدهم السجن لأنه لم يسدد. لكن هذا الدور التوعوي يقع على عدة مفاصل وأجزاء من مؤسسات المجتمع، ففي المدرسة يجب أن يكون هناك مواد دراسية تتحدث عن طبيعة الاقتراض والاستدانة، وأنه يسبب على المدى البعيد عدة مشاكل خاصة لمن يأخذ تلك القروض بغرض رحلة سياحية أو لشراء سيارة فارهة آخر موديل، وغيرها من المستلزمات الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها بعدة بدائل مناسبة وفيها توفير مالي. كذلك هناك دور كبير على الهيئات المالية وبعض الوزارات المعنية وبالذات مؤسسة النقد العربي السعودي، بل أعتبره دورا حيويا وهاما في هذا السياق، لأنها تبادر وتقوم بتصميم برامج تستهدف المجتمع بأسره، وهي برامج توعوية توضح ماذا يعني القرض الاستهلاكي والقرض الاستثماري، القرض لأخذ مستلزمات سرعان ما نفقدها وتتلاشى ونبقى نرزح تحت الديون، فندخل في قروض أخرى، وهكذا... نحتاج لتثقيف ونشر الوعي بأهمية الادخار، وأن تكون لدينا مؤسسات قوية في هذا السياق، إحدى شركات التأمين قدّمت برنامجا ادخاريا، لكنها وضعت شروطا قاسية وغيرها من التفاصيل المتشعبة التي جعلت المواطن ينفر منها ويبتعد عنها، خاصة بعد تعدّد القصص والآراء التي اعتبرت مثل هذا البرنامج نوعا من الاحتيال وجمع الأموال. لذا، نريد مؤسسات حكومية قوية تقوم بهذا الدور، ولعل مؤسسة مالية عريقة مثل البنك السعودي للتسليف والادخار يكون بداية في هذا السياق، وخاصة أن فروعه في كافة أرجاء المملكة وباتت خدماته الالكترونية مميزة وفي متناول اليد. أعتقد أن الوقت قد حان لأن تتحول الصناديق الحكومية التي أصبحت لا تعتمد على الدعم المالي من الدولة أن تُدار بفكر استثماري للمزيد من تدوير أموالها وزيادته وتقديم المزيد من المنتجات والحوافز التحصيلية الادخارية. * خبير في علم النفس السلوكي المعرفي