سهام النقد تتوجه نحو صدره، وكلماتهم القاسية تخنق أنفاسه، يظل مذهولاً، ولا يفهم المشهد، فهو يرى كل يوم أشخاصا يتساقطون على قارعة الطريق برصاصة غادرة، دون عليها «عيب عليك». جال ذاك السؤال في أعماق نفسه، من يحدد العيب؟ ولماذا هذا المحرم الاجتماعي أقدس من المحرم الديني أحياناً؟ ومن يقرر أن هذا العيب صحيُ يحمي المجتمع وليس سوطاً يُجلد فيه الناس أو قيداً يمنعهم الحركة، حيث يطلب منهم الاستسلام للعيب دون نقاش في شرعيته أو جدواها. جاء الإسلام فوجد بقاء المرأة على قيد الحياة عيب كبير و أنه لا بد من وأدها، فحول العيب إلى من يسلبها حقها وكرامتها. أن تعمل سواق تاكسي عيب عليك، أن ترى زوجة المستقبل رؤية شرعية عيب عليك، أن تذهب للطبيب النفسي، عيب عليك، أن لا تضع وليمة عظيمة تكفي اضعاف ضيوفك عيب عليك، أن يتكلم الصغير المظلوم في حضرة الكبير المتغطرس، عيب عليك، ألا تتعامل مع العادات ككتاب مقدس فوق المراجعة، عيب عليك، أن تعلن اسم أمك أو أختك أو زوجتك عيب عليك، ألا تتزوج بنت عمك، عيب عليك. في بعض أرجاء الصومال يعتبر أكل الدجاج عيبا كبيرا، وفي أجزاء من موريتانيا، أكل السمك عيب أكبر، وفي مجتمعات عربية أخرى لا يحق للمرأة أن تأخذ نصيبها من الإرث، تحت ستار العيب والقائمة تطول والحقوق تنزف. لنحيا ونحن نعلم أن العيب قيمة عظيمة تحفظ المجتمع ولا تقهره، تضيف إليه ولا تسلب منه، عندها ستزول الكثير من الازدواجية في الشخصيات والأقنعة من الوجوه والنفاق الاجتماعي، ويكون الناس أكثر تلقائية وعفوية. ولّى حبيبي رسول الله- عليه السلام والسلام- اسامة بن زيد، على رأس جيش يضم كبار الصحابة لأنه الاكفأ، ولم يقل: هذا عيب هناك من هو أكبر!!. في طفولته باع الرئيس التركي اردوغان الخبز في شوارع اسطنبول، ولم يمنعه ذلك من وصوله إلى كرسي الرئاسة، ولم يحرم سليمان الراجحي عملُه خادما في البيوت من أن يكون من أغنى أهل الأرض. سامبلا، رجل هندي لم يسلبه تاريخه حيث كان سباكاً في السعودية أن يكون وزيراً في الحكومة الهندية الجديدة، تسمح شركة جوجل للموظفين بلبس البجامات في مكاتبها لأنها تعلم أن الإبداع قرين الحرية. رسالتي إليك، شرع الله فوق كل عادة، والمراجعة تجلب السعادة، فلا مقدس إلا ما أنزله الله، أما سنن البشر فيؤخذ منها الصالح ويطرح منها الضار، عندها تحترم المجتمعات القيم ولا تسعى للتمرد عليها، ويعود العيب ليحمي الأبواب. «عيب عليك»، جوهرة ثمينة فلا تجعلها زنزانة سوداء.