عندما استفسر أحد الأصدقاء عن قولي في المقال السابق: إن هذه الجريدة قد حققت (قفزات غير مسبوقة في تاريخ الصحافة السعودية) أوضحت له إن «اليوم» بمطابعها الضخمة، وبمشروعها الاستثماري الكبير، وبتنوع إصداراتها الإعلامية، وبخططها المتسقة مع رسالتها الجديدة بعد تحويلها إلى مؤسسة إعلامية لتدخل في المجال الإذاعي والتلفزيوني مستقبلًا، إنما حققت سبقًا لم تشهد مثله الصحافة المحلية، وما هذه المنجزات سوى ثمرة من ثمرات المؤسسين الأوائل الذين وضعوا الأساس ومهدوا الطريق لينطلق هذا الكيان الكبير نحو آفاق تقنية جديدة بجهود إدارته الحالية. وفي مجال التحرير كانت مبادراتها المشرقة سواء عن طريق ملحق «المربد» الذي رعى خطواته علي الدميني، أو الملحق الفني الذي كان يشرف عليه عتيق الخماس، أو الملحق الرياضي الذي كان يشرف عليه د.مبارك الدوسري، أو ملحقها الشهري الذي تفرغت له إثر عزلي عن رئاسة التحرير من قبل وزارة الإعلام لعدة شهور نتيجة تفسير خاطئ لبعض مقالاتي، وهي شهور تولى فيها الإشراف على التحرير صالح العزاز، وقد أثمرت جهود الشيخ حمد المبارك وعبدالعزيز القريشي الذي كان محافظًا لمؤسسة النقد في ذلك الوقت في إعادتي لرئاسة التحرير. ورغم كثرة الأسماء التي تعاقبت على قيادة التحرير في «اليوم» فإن القلة هم الذين أصبحوا رؤساء تحرير بقرار رسمي من وزارة الإعلام، بينما الكثيرون منهم إما بمسمى مدير تحرير، أو مسمى مشرف على التحرير، ومنهم الشيخ فيصل الشهيل الذي تولى هذه المهمة فترة من الزمن استنادًا على خبرته في جريدة الجزيرة، والجميع كانوا على مستوى كبير من المسئولية في تسيير دفة العمل، والتصدي لمسئوليات هذا المنصب الذي يشكل واجهة حقيقية للجريدة، فلا الجهات الرسمية، ولا السلطات الدينية، ولا جمهور القراء يمكن أن يضعوا المسئولية التحريرية على أحد غير رئيس التحرير، وهو الذي يشكل صمام الأمان للجريدة، وبالتالي هو المسؤول عن نجاحها أو إخفاقها في نظر كل الجهات، وهو أمر لم تستوعبه بعض إدارات الصحف التي تتعامل مع جهاز التحرير بشيء غير قليل من التقتير، إن لم نقل التهميش في كثير من الأمور، وها هي «اليوم» تنطلق تحريريًا بقيادة الأستاذ عبدالوهاب الفايز، وهو صحفي له تجربته الصحفية الناجحة، ورؤيته الإعلامية العميقة، وطموحاته المفعمة بروح التصميم على الوصول باليوم إلى المستوى الصحفي الناجح، لتكون كما يريد مؤسسوها وقراؤها وكتابها في مقدمة الصحف العربية. وكانت «اليوم» ولا تزال تعتمد في تحريرها على أقلام معروفة، وكتاب متميزين، حيث كتب فيها في بداية عهدها كبار الكتاب في ذلك الحين: محمد حسن عواد، وأحمد إبراهيم الغزاوي، ومحمد حسين زيدان، ومحمد عبدالغفور عطار، وأحمد قنديل، وعزيز ضياء، وعبدالحميد عنبر، وغيرهم من أدباء الحجاز الذين استقطبهم لقمان يونس بحكم علاقته الشخصية بهم، وعندما توليت رئاسة التحرير في للمرة الثانية استطعت استقطاب عدد من الكتاب من مصر، منهم الصديق رجاء النقاش الذي تعرفت عليه في الدوحة عندما كان مديرًا لتحرير جريدة «الراية» ثم رئيسًا لتحرير مجلة «الدوحة»، وقد تولى الإشراف على مكتب «اليوم» بالقاهرة، ومنهم أيضًا أحمد رجب وعبدالحليم منتصر ومحمود السعدني ومفيد فوزي وفاروق شوشة، ومن تونس صالح الحاجة، ومن المغرب محمد البوعناني، أما يوسف إدريس فقد زرته في مكتبه بجريدة الأهرام، واشترط ألف دولار للمقالة الواحدة تدفع مقدمًا بحجة أن الصحف الإماراتية تدفع له هذا المبلغ، لكن ميزانية «اليوم» لم تسمح بهذا الترف. وعند الحديث عن الكتاب والعاملين في تحرير «اليوم» في تلك الفترة لا ننسى صالح وإبراهيم السيف، وعبدالله الغشري، ومبارك العوض، وصديقه اللدود مبارك الحمود، ومحمد السحيمي، وأفضل نجمي الباكستاني في القسم الفني، ولا يزال ابناه أمجد وآصف يعملان في «اليوم» وفاء منها لوالدهما، ولا أنسى سالم: الحارس الحضرمي الذي انضم إلى قافلة العاملين في الجريدة في مبناها القريب من السكة الحديد، وكانت «تيوس» المندي التي يطبخها على الطريقة الحضرمية تدفع العاملين في الجريدة إلى التقرب منه ليشملهم بعطفه ومنديه. وكثيرة هي الأسماء التي لم تعد الذاكرة تحتفظ بها، ولأصحابها كل المحبة والود.