في عام 1958 دشنت شركة بان أم للطيران خدمتها اليومية على طائرة بوينج 707 عبر الأطلسي. يوجد شيء في الروح الإنسانية يجبرنا على الذهاب بعيداً وبسرعة. وهذا هو السبب الذي دفع هوارد هيوز لكي يمضي عام 1935 مخاطراً بحياته وهو يُطير طائرات تجريبية لكسر حواجز السرعة وهو السبب نفسه الذي دفعه حتى لركوب مخاطر أكبر في عام 1938 للطيران لتسجيل رقم قياسي في زمن الطيران حول العالم. كان يوجد لدى هيوز كل شيء ليخسره– الشهرة والثروة، والبعض يقول ربما يفقد عقله، ومع كل ذلك كان بحاجة ليعرف ماذا يمكن أن تفعل آلاته. وفي العقود التي تلت ذلك، تحول الطيران جيئة وذهاباً من عمل متهور إلى حدث منتظم. شق المحرك النفاث طريقه خارجاً من المختبرات إلى الحياة اليومية. وقد كانت هذه الآلات أكثر قوة بكثير من المراوح وسمحت للطائرات بالسفر بسرعات أكبر وإلى مسافات أبعد، والأهم أن ذلك كان يتم بكفاءة أعلى. وقد استطاعت شركات طيران هيوز وجوان بريب مؤسس بان أمريكان وآخرون انتهاز الفرصة وبنوا امبراطوريات خطوط جوية جديدة. كما بدأ الجيش بتقديم طلبات للحصول على عشرات الآلاف من الطائرات النفاثة، واندفعت بسرعة شركات مثل جنرال إلكتريك لتلبية مثل هذه الطلبات. بحلول ستينيات القرن الماضي عمل هذا الاختراع على تصغير العالم. للمرة الأولى أصبح من الممكن الوصول إلى سطح كوكب الأرض بأكمله- أو على الأقل أصبح مرئياً- وفتح صندوق أعاجيبه. كما أحدثت الطائرة معنى جديداً للطعام والفن والتسلية والاقتصاد والعلاقات بين البشر، وأصبحت الحياة معها أكثر غنى وإثارة. خلق السفر بالطائرات النفاثة مواطنين عالميين حقيقيين، ومن خلال ذلك جعل من السهل شن الحروب ونشر المرض. وبالرغم من كل هذه التغيرات التي جلبها المحرك النفاث، إلا أنه من اللافت للنظر أن نرى كيف أصبحت هذه التكنولوجيا ساكنة ودون أن يطرأ تغيير عليها. استطاعت الجيوش تطوير محركات تستطيع كسر حاجز الصوت، ولكن الناس لم يستفيدوا كثيرا من ذلك العمل. جاءت طائرة الكونكورد ثم ذهبت. وأنفقت شركة بوينج أكثر من 32 مليار دولار على بناء طائرة 787 التي تزيد كفاءتها من حيث استهلاك الوقود بنسبة 20 في المائة مقارنة بسابقاتها، ولكنها ليست أكثر سرعة. وتقوم شركة جنرال إلكتريك بملء محركاتها بالمجسات وبرامج الكمبيوتر على أمل انتزاع ولو نسبة مئوية أخرى من الأداء هنا أو هناك. تم استبدال شخصيات من أمثال هيوز وتريب بمدراء خطوط جوية أقل كلفة مثل مايكل أو ليري مؤسس خطوط ريان إير وهو الذي تفحص حدود ما يمكن أن يتحمله البشر وليس ما يمكن أن ينجزه هؤلاء البشر. البعض من هذا له علاقة بالفيزياء، ولكن البعض الآخر بالتأكيد عائد للقناعة بذلك. ولكن الخبر الجيد هو أنه ما زال يوجد بعض الناس ممن يرغبون بتوسيع الآفاق والسير بشجاعة أكبر. بعض الشركات تبحث عن طريقة لإعادة الحياة إلى طائرات نفاثة شبيهة بطائرة الكونكورد وتحسينها بإضافة كابينات يمكن النظر من خلالها إلى كل شيء في الخارج. يريد إيلون ماسك، المدير التنفيذي لشركات سبيس إكس وتيسلا موتورز بناء طائرة كهربائية بالكامل وأسرع من الصوت بحيث يمكنها الإقلاع والهبوط عمودياً. سيسمح هذا للمدن بإقامة مطارات تكون أكثر قرباً من مركزها. شارك ماسك فكرته مع المديرين التنفيذيين اللذين شاركا في تأسيس جوجل وهما سيرجي برين ولاري بيج، وتحدث الثلاثة عن الاستباق في كسب الميزة في هذه الفكرة لاستحداث طائرة ركاب يمكنها الوصول إلى الفضاء، وهو الأمر الذي سيخفض ساعات من أوقات الطيران. هنا أمل ينتظر دائماً وجود هوارد هيوز صغير في مكان ما يكون راغباً بإعطاء مثل هذا الجنون فرصة لمحاولة لتحقيق النجاح.