هكذا أراد الكاتب والصحفي الأمريكي توماس فريدمان أن يكون كتابه الذي صدر بعنوان لافت، يناقض المعلوم من العلم بالضرورة وهو (العالم مسطح The World is flat) فهل هذا ممكن؟ اقصد أن نقرأ ونستشرف تاريخ قرن لم ينصرم منه إلا خمس سنوات؟ اخذين في الاعتبار أن الكتاب الذي بين يدي صدر في يناير سنة 2006م. الكتاب موضوع المقال عبارة عن رصد للتطورات التقنية في العالم، وتطور خدمات الشبكة العالمية أو الإنترنت، وكيف أنها أصبحت في متناول جميع الدول ومعها صناعة البرمجيات الحاسوبية وكيف أصبح بإمكان كل دول العالم التنافس على قدم المساواة في ذلك المجال وأن مجال التنافس أشبه بملعب عشبي مسطح الغلبة فيه لمن يبذل جهداً ومهارة. رحل فريدمان، أثناء الدراسة الميدانية التي اعتمد عليها في تأليف هذا الكتاب، بالطائرة في اتجاه الهند، معاكساً رحلة كريستوفر كولومبس البحرية سنة 1492م في محاولته للدوران حول الأرض والوصول إلى الهند سالكاً جهة الغرب. وبينما تسبب الخطأ في الحسابات بأن يصدم كولومبس كما هو معروف بالقارة الأمريكية، وصل فريدمان في ساعات إلى بانجلور بالهند حيث التقى بالعديد من الكوادر الشابة ورأى بعينيه النهضة الهندية التقنية المتنامية. يواصل الكاتب رحلته شرقاً إلى الصين حيث نهضة أخرى في التصنيع هائلة، ويرصد كيف أن كثيرا من الصناعات ذات المنشأ الغربي قد وجدت لها موطئ قدم وعمالة رخيصة لا تكل من العمل مما أدى إلى نزوح الكثير من الصناعات إلى بكين وبعد توقيع الصين على اتفاقية منظمة التجارة العالمية سنة 2001م، أي بداية القرن الحادي والعشرين، بات على دول العالم الحية أن تجري أكثر من اجل الحفاظ على حصتها من كعكة الثروة العالمية. من بين سطور الكتاب الذي يتمازج فيه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ويدعمه بحث تقني وإحصائي ميداني، يبرز قلق المؤلف على مستقبل أمريكا والأمريكيين بعد مقارنته بين المخرجات العلمية الأسيوية كالهندوالصين وتايوان وكوريا الجنوبية من جانب ومن جانب آخر ذلك الانحدار التدريجي في إقبال الشبان الأمريكان على كليات العلوم والرياضيات وتقنية المعلومات. ويقرع ناقوس الخطر للمسؤولين الأمريكيين من اجل تفادي الغياب عن حضارة القرن الحالي. يقول المثل العربي (الكتاب باين من عنوانه) لا اقصد المعنى المباشر للجملة ولكن الكتاب هو تاريخ القرن الحادي والعشرين أما العنوان فهو ما نراه يحدث حالياً في العالم، في بواكير القرن من صعود العالم بجناحين اسيوي وغربي. لم يحظ العالم العربي إلا بالنزر اليسير من مساحة الكتاب تطرق فيه المؤلف باختصار إلى مأزق العالم العربي الثقافي وانحداره، ما يؤكد قرنا آخر من الغياب الحضاري، فنصيب العالم العربي من العنوان أحداثه الراهنة التي بدأت بعد سنوات قليلة من نشر الكتاب مؤكدة مصداقيّة ما تطرق إليه. * قاص وروائي