بعد دخول الاقتصاد العالمي في أول ركود كبير في العام 2009، أمست علاقة النفط بالنمو الاقتصادي شديدة الاضطراب. فمع أن النفط هو حجر الزاوية للطفرة الاقتصادية والتكنولوجية التي نعيشها اليوم، إلا أنه لم يعد قادرا على مواكبة الحاجة الفعلية المتزايدة يوما بعد يوم للطاقة. السبب في ذلك يعود إلى الارتباط الوثيق بين النمو الاقتصادي وزيادة الطلب على الطاقة. وبسبب ارتفاع حساسية أسعار النفط لزيادة الطلب، فإن أي زيادة بسيطة كفيلة بكبح جماح النمو. ونظرا لعدم استمرارية هذه العلاقة، برزت الحاجة إلى كسر جمودها. فقام الكاتب جيرمي ريفكين بنشر كتابه «الثورة الصناعية الثالثة» في العام 2011 يشرح فيه أساسيات هذه الثورة، والتغيرات المطلوبة في هيكل الاقتصاد. يستند نظام الطاقة الجديد على خمسة أركان، أولها هو أن مصادر الطاقة لابد أن تكون متجددة. الركن الثاني هو تحويل كل منشأة أو بناية أو وحدة سكنية إلى مصنع صغير للطاقة يعتمد في استهلاكه على ما ينتجه بالدرجة الأولى. ثالثا، تقوم وحدات الإنتاج المنتشرة في كل المنشآت بتخزين الطاقة الفائضة باستخدام الهيدروجين أو أي تقنيات تخزين أخرى. رابعا، يتم وصل كافة وحدات الإنتاج بشبكة كهرباء متقدمة بالإضافة إلى الانترنت، بحيث يسهل وصلها بالإنترنت معرفة أماكن الفوائض والعجوزات في الطاقة وتوجيه الاحتياطيات بأعلى كفاءة ممكنة للحد من هدر الطاقة في شبكات التوزيع. أخيرا، يتم تعميم استخدام طاقة وحدات الإنتاج المتعددة لتشمل كافة أشكال الطاقة التي يحتاجها الاقتصاد في النقل والمواصلات، بالإضافة إلى بناء نظام تجاري يحكم علاقة إنتاج وتوزيع الطاقة حتى يصبح النظام ذا جدوى اقتصادية، ويدفع الربح أصحاب الوحدات إلى تقنين استهلاك الطاقة والعمل على إنتاج المزيد. بالنظر إلى هذه الأركان الخمسة للثورة الصناعية الثالثة، نجد أننا اليوم بعيدون جدا عن الوصول إلى نظام جديد يمول النمو المطرد في زيادة الطلب على الطاقة. ذلك يعني أننا ما زلنا على أول الطريق. فعلى سبيل المثال، كانت كفاءة ألواح السيلكون الشمسية قبل نصف عقد لا تتعدى 8% بينما تصل اليوم إلى 15%. وبذلك يلعب تحويل البحث العلمي إلى تقنيات تجارية محورا رئيسيا في وصولنا إلى النظام الجديد. بالإضافة إلى ذلك، فإننا بحاجة إلى مسرعات الأعمال التي تعمل على تمكين الأفراد واستثمار إبداع الشركات الصغيرة والمتوسطة لتحديث البنية التحتية. الاتحاد الأوروبي بدأ في وضع خطة استراتيجية لتسريع التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة بشكل واسع عن طريق دعم خفض استهلاك الطاقة بنسبة 20% ورفع نصيب الطاقة المتجددة إلى أكثر من 20% بحلول العام 2020. وضع المعايير والأهداف هو أسلوب منهجي يمكن اتباعه عندما يكون البحث العلمي وبيئة الأعمال في أوجها، الأمر الذي نفتقده في منطقتنا. لذلك فإن أقرب نموذج عملي لنا هو برنامج الثورة الصناعية الثالثة الصيني. فقد قامت الصين بإطلاق برنامج واسع تحت اسم «انترنت الطاقة» التي من شأنها أن تكون بمثابة منصة التكنولوجيا والبنية التحتية لاستنهاض النموذج الاقتصادي الجديد. نحن بحاجة ماسة للحاق بركب هذه الدول حتى نتمكن من استثمار ما حبانا الله من موارد طبيعية متجددة، للبقاء على رأس الاقتصاديات التي تمد العالم بالطاقة.