أكد الدكتور زياد بن حمزة أبو غرارة الأمين العام للهيئة الاقليمية للمحافظة على بيئة البحر الاحمر وخليج عدن أن النظام البيئي في البحر الأحمر وخليج عدن يمكن أن يوفر دعمًا كبيرًا للاستثمار الاقتصادي، وقد استغل الإنسان هذه الميزة منذ القِدَم، فكان البحر الأحمر ممرًا مائيًا هامًا على مستوى العالم، وزاد من أهميته حفر قناة السويس؛ ليكون الشريان الذي يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب. واوضح الدكتور أبو غرارة خلال حديثه ل(اليوم) عن البيئة البحرية في البحر الاحمر وخليج عدن أن التنمية المستدامة أصبحت مطلبًا دوليًا، وتبني هذه التنمية التي تلبّي احتياجات الجيل الحاضر دون الإضرار أو التضحية بقدرة الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها، وبمعنى آخر الاستفادة من الموارد البحرية والخدمات دون الاستغلال المفرط أو تدمير أو تلويث النظام البيئي بحيث يكون هناك توازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وسلامة النظام الحيوي.. إلى نص الحوار: ما الدور المناط للهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن في المحافظة على البيئة البحرية وصون مواردها؟ تعتبر هيئة حكومية تُعنى بالمحافظة على البيئات البحرية والساحلية في إقليم البحر الأحمر وخليج عدن وتستمد قاعدتها القانونية من الاتفاقية الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن والمعروفة اختصارًا «اتفاقية جدة»؛ وقد تمّ التوقيع عليها وعلى خطة العمل والبروتوكول الملحقين بها في جدة عام 1982م، وتتكوّن الهيئة من مجلس يضم الوزراء المسؤولين عن شؤون البيئة في الدول الأعضاء «السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية جيبوتي، وجمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية السودان، وجمهورية مصر العربية والجمهورية اليمنية». كيف ترى الوضع الراهن للبيئة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن؟ الحديث عن الوضع الراهن للبيئة البحرية مرتبط بالتنمية والأنشطة البشرية في المناطق الساحلية، إذ لا يمكننا افتراض وجود أنشطة بشرية بدون آثار مطلقًا على البيئة، لكننا ندرك أن الآثار السلبية للتنمية على البيئة عمومًا يمكن تقليلها مع تزايد الوعي البيئي وتطبيق التشريعات البيئية الملزمة حاليًا، كل دول الإقليم تطبّق نظام تقييم الأثر البيئي الذي لا يجيز ترخيص أي منشأة إلا بعد إخضاعها لأنظمة دراسة وتحديد الآثار البيئية المحتملة لتلك المنشأة ووضع التدابير المناسبة للحد منها في حال وجوب ذلك، ووضع برامج رصد للتأكد من مدى التزام المنشأة بهذه التدابير ونجاعتها، يوجد طبعًا بعض المناطق المحدودة التي تتأثر بالأنشطة البشرية بشكلٍ مباشر، والناجمة عن الزيادة المطردة في حركة النقل البحري، وما قد يصاحبها من حوادث أو سكب للملوثات في البيئة البحرية، إضافة إلى التوسّع والنمو المتسارع للمشاريع الاقتصادية والسياحية في المناطق الساحلية، وما ينجم عنه من تأثيراتٍ سلبية على الموائل الساحلية والأحياء البحرية.. لكن هذه الآثار محدودة في الزمان والمكان، بمعنى أنها لا تؤثر تأثيرًا جوهريًا يؤدي إلى تغيير السمات الطبيعية للنظام البيئي للبحر الأحمر، فبيئة البحر الأحمر وخليج عدن تحتضن امتدادًا شاسعًا للسواحل النظيفة المحتفظة بقدر كبير من طبيعتها الفطرية.. وللمتخصصين المهتمين بالاستزادة في هذا الموضوع فإن الهيئة تصدر بشكل دوري تقرير حالة البيئة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو من ضمن منشورات الهيئة المتوافرة، ويمكن الاطلاع عليه في موقع الهيئة الالكتروني على شبكة الانترنت. يتميّز النظام البيئي في البحر الأحمر وخليج عدن بقدرته على دعم تنوّع اقتصادي كبير. إلى أي مدى يتم الاستفادة من هذه الخاصية، وهل لديكم برامج لدعم الدول الأعضاء للاستثمار في هذا المجال؟ صحيح.. ان النظام البيئي في البحر الأحمر وخليج عدن يمكن أن يوفر دعمًا كبيرًا للاستثمار.. وقد استغل الإنسان هذه الميزة منذ القِدَم، فكان البحر الأحمر ممرًا مائيًا مهمًا على مستوى العالم وزاد من أهميته حفر قناة السويس ليكون الشريان الذي يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.. أما عن استغلال المصائد في البحر الأحمر وخليج عدن، فهو لا يقل أهمية عن ذلك.. لكن هنا لابد من وقفةٍ لمعرفة الآثار التي يمكن أن تنجم عن هذا المصيد، حيث إن الصيد الجائر يمكن أن يؤدي إلى استنفاد الموارد البحرية الحية، وإضعاف قدرتها على التجدد. وهنا يأتي دور الهيئة في التعاون مع الدول في التدريب ورفع القدرات ورفع الوعي البيئي لدى الصيادين، ووضع التشريعات والأنظمة التي تحمي الموارد البحرية الحية وتحافظ على استدامتها.. كذلك لا يمكن أن نغفل قيمة النظام البيئي في البحر الأحمر وخليج عدن في دعم الأنشطة السياحية، ومن برامج الهيئة في هذا المجال التوعية بقيمة النظام البيئي والموارد البحرية الحية باستغلالها في مكانها دون أخذها. ومن ذلك التعريف بقيمة سمكة القرش مثلًا في استقطاب السياحة، وفي اتزان النظام الحيوي مقارنة بقيمتها فيما لو تم صيدها وبيعها.. الموارد البحرية غير الحية أيضًا وفيرة في البحر الأحمر وخليج عدن، وتعمل الهيئة مع الدول على أن يكون استغلال هذه الموارد متوافقًا مع المعايير البيئية من أجل سلامة الموارد البحرية الحية المتجددة المحيطة بها.. ولا يخفى على القارئ في المملكة طبعًا قيمة مياه البحر كمصدر لمياه الشرب والاستخدامات المختلفة بعد تحليتها. ما هي أهم التأثيرات المحتملة للتغيّر المناخي في بيئة البحر الأحمر وخليج عدن؟ التغيّر المناخي أصبح حقيقة علمية واقعة لكن آثاره لا تزال غير محددة بشكلٍ دقيق.. إلا أن المثبت أنها تدريجية ويمكن التكيّف معها والتقليل من تأثيراتها السلبية.. وتتضمن التأثيرات المحتملة للتغيّر المناخي ارتفاع منسوب سطح البحار نتيجة لتمدد المياه الحراري وذوبان الجليد، كما أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى تغيّرات في الخواص الكيميائية لمياه البحار من أهمها ارتفاع نسبة الحموضة، والتي قد تؤدي إلى ابيضاض الشعاب المرجانية.. وللتقليل من هذه الآثار المحتملة على البيئة البحرية تنفذ الهيئة استراتيجية إقليمية للتأقلم مع آثار التغيّر المناخي، فمن خلال هذه الاستراتيجية تقوم الهيئة بالتعاون مع الدول في وضع المعايير المناسبة للتأقلم مع الآثار المحتملة للتغيّر المناخي حسب أولويات كل دولة، وبناءً على دراسات تقييم الحساسية للتغيّر المناخي على ساحل كل دولة من دول الإقليم.. وتعتمد الهيئة في استراتيجيتها نهج التأقلم المستند على النظام البيئي، والذي يساعد النظام البيئي على حماية نفسه بنفسه.. ومن ذلك مثلًا تعزيز قدرة «الحيد المرجاني» وغابات المانجروف على حماية المناطق الساحلية عوضًا عن وضع الحواجز الأسمنتية.. وكذلك رفع القدرة لدى المجتمعات الساحلية للتعامل مع الآثار المحتملة للتغيّر في المصائد وموارد العيش الأخرى. أصبحت التنمية المستدامة مطلبًا دوليًا.. فما هو المقصود بالتنمية المستدامة للبيئة البحرية؟ وكيف يمكن للدول تحقيق ذلك؟ مفهوم التنمية المستدامة يعني تبنّي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون الإضرار أو التضحية بقدرة الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها، وبمعنى آخر الاستفادة من الموارد البحرية والخدمات دون الاستغلال المفرط أو تدمير أو تلويث النظام البيئي، بحيث يكون هناك توازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وسلامة النظام الحيوي. كما أن التنمية المستدامة لا تعني فقط استدامة الموارد الطبيعية والنظم الايكولوجية والانتفاع بها في ظل استمرار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل أيضًا تتطلب وبشكل أساسي استدامة الكفاءات المتخصصة في المجالات المتعلقة بالمحافظة على البيئة لتكون هذه الكوادر قادرة كمًا ونوعًا على استمرار التنمية في المستقبل ضمن المفهوم الشامل للتنمية المستدامة.. وهذا هو المنهج الذي تسعى لتحقيقه جميع دول الإقليم، أما كيفية تحقيق ذلك فيمكن من خلال تبنّي استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة تشمل جميع القطاعات التنموية، بحيث يكون الجانب البيئي أحد الاعتبارات والأسس في وضع البرامج والأنشطة والخطط التنفيذية لهذه القطاعات.. حيث إن البيئة البحرية تستفيد من مواردها وخدماتها العديد من القطاعات التنموية؛ مما يتطلب العمل ضمن استراتيجية متفق عليها، وبرامج وأنشطة تحقق قدرًا من التكامل والانسجام بعيدًا عن التعارض والازدواجية. ما مدى تفاعل دول الإقليم والمنظمات الدولية مع جهود الهيئة؟ إن التعاون القائم والتنسيق المستمر بين الدول يعكس مدى ترابط هذه الدول ووحدة هدفها وشعورها بالمسؤولية المشتركة تجاه البيئة البحرية والأهمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية للبحر الأحمر.. وقد أبدت جميع دول الإقليم دعمها ومساندتها لجهود الهيئة إيمانًا بدورها المحوري في المحافظة على بيئتنا البحرية وتعزيز مفهوم التنمية المستدامة على المستوى الإقليمي. اما دولة المقر «السعودية» فتعتبر الداعم والراعي الأكبر لجهود الهيئة منذ إنشائها ولها السبق في التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات والبروتوكولات المقترحة من الهيئة للمحافظة على بيئتنا البحرية، إضافة إلى ما تقدمه من التسهيلات، والذي كان وراء النجاح الكبير الذي تحقق والمكانة التي باتت تحتلها الهيئة بين مثيلاتها.. كما أن الدعم الذي تقدّمه مصر لمركز المساعدات المتبادلة في الطوارئ البحرية والذي تستضيفه في مدينة الغردقة مكّن المركز من أداء مهامه الإقليمية في تنسيق جهود المكافحة والتصدي للطوارئ البحرية بكفاءة وفاعلية. كما تحظى الهيئة بدعم وثقة العديد من المنظمات والهيئات الدولية منها المنظمة البحرية الدولية (IMO)، وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة (UNEP) والبنك الدولي (WB) وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ISESCO)، واللجنة الدولية للمحيطات (IOC)، ويجري حاليًا تنفيذ العديد من الأنشطة المشتركة معهم وفق مذكرات تفاهم للتعاون الفني.