أتى الشتاء يحمل على كتفه ضروب الزاد والمأوى، فخيم في ربوع البلاد حتى زاره الربيع بجداوله الجميلة وزهوره الأريجة، وطيور المطر تهدي للحياة ألحان الحياة والجمال فوق تلك الجبال الشماء وفي الأراضي الفيحاء.. ضاق صدري من نزوله، فبدأت أتطلع لفصل الصيف القادم من تلك الجبال العالية وأقول ارحل يا فصل الشتاء لقد مللت من لونك الباهت! فإذا أقبل الصيف مع نسيمه البارد في نجد العذية بعد منتصف الليل بالتحديد تبدأ قيثارة الأشجان تعزف أطيافها للأحبة الحاضرين.. والراحلين! فنتذكر تلك الأيام التي قضيناها في الصيف.. في الطفولة الآفلة، وأقول: لا ترحل رجاءً أيها الضيف الجميل! وبعد أشهر من حديثي اعتليت الجبل مرة أخرى أترقب فصل الشتاء الذي طال الحنين إلى لقياه ولطيوره وقوس قزحه وفتونه! وهكذا في حياتي لم أسترح ولا جعلت القراء يستريحون معي والأصدقاء! في يوم من الأيام سافرت إلى المناطق الباردة مع الزملاء، كنت في نشوة الفرح أكاد أطير وأحلق في السماء كالطير الجريح بعدما حبس في القفص الصغير- أعني قريتي- بدأت أحافظ على هدوئي ونشوة الفرح التي بدأت تتسرب شيئا فشيئا من نفسي التي ما زلت أبذل لها الغالي والرخيص كي أسعدها، (تلميح) للأصدقاء كي أعود لقريتي: ما أجمل نجد يا أصدقاء لم يفهموا جيدا ما أقول.. ثم بدأ (التصريح) فيه شيء من التورية: غداً سنغادر تلك الديار (الديار طلبت أهلها). ركب معي في «المرتبة» الخلفية أحد الأصدقاء قد تقدم به السن فذكرت له ما كتبته لكم في صدر هذا المقال فقال: هذا حالنا جميعا مع الحياة لا يرتاح الإنسان في بقاء الشيء عنده فقدح في ذهني أبياتاً كنت أسمعها ولكن جاءت هذه المناسبة لكي أفهمها! صغيرٌ يطلِبُ الِكبرَ ** وشيخٌ ودّ لو صَغُرَ وخالٍ يشتهي عملاً ** وذو عملٍ به ضَجِر وربُّ المالِ في تعبٍ ** وفي تعبٍ من افتقرَ ويشقى المرءُ منهزماً ** ولا يرتاحُ مُنتصرا ويبغى المجدَ في لَهفٍ ** فإنْ يظفُر بهِ فَتَرَ وذو الأولادِ مهمومٌ ** وطالبُهم قد انفطرَ ومن فقدَ الجمالَ شكا ** وقد يشكو الذي بُهِر فهل حاروا مع الأقدارِ ** أم همْ حيّروا القدرَ شُكاةٌ ما لها حَكَمٌ ** سوى الخصمين إنْ حضرا