سبق أن زرع الهاكرز (الذين يخترقون شبكة الكمبيوتر بشكل غير قانوني) منذ سنوات عديدة، برامج خبيثة على أنظمة الكمبيوتر التي تسيطر على أجزاء من البنية التحتية الأساسية في الولاياتالمتحدة، منها أجزاء من الشبكة الكهربائية وأنظمة الغاز والماء. والبرمجية الخبيثة التي حذرت منها وزارة الأمن الداخلي الأميركية فقط في الشهر الماضي، حملت اسم بلاك إينيرجي (الطاقة السوداء)، وأرجع مصدرها إلى الحكومة الروسية. مهما كانت الدوافع، إلا أن العملاء السريين في الفضاء الإلكتروني لم يستخدموا الأسلحة الرقمية التي زرعوها لإحداث أي ضرر. يقول بيرلويجي باجانيني، المحرر في الشؤون الأمنية الذي ينشر مدونة سيكيوريتي أفيرز (الشؤون الأمنية): «يشير هذا إلى أن المهاجمين يجمعون معلومات مفصلة عن الأنظمة والعمليات التي تشغل البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة لتنسيق المزيد من الهجمات»، وأن وزارة الأمن الداخلي في الولاياتالمتحدة خمنت أن المهاجمين زرعوا التهديد لردع هجوم أميركي في المستقبل. هل تذكرون فيروس ستاكسنيت؟ التدخل الذي أحدثته برمجية بلاك إينيرجي هو من النوع الذي تفعله الدول القومية عادة في هجومها على دولة أخرى، ولكنه يذكرنا أيضاً بالهجوم الأخير على الشركات الذي ضرب البنك العملاق جيه بي مورجان في الصيف الماضي. حاول المتطفلون في ذلك الهجوم الكشف عن معلومات حول أنظمة البنك بدءاً من شهر حزيران (يونيو) وحتى شهر آب (أغسطس) من غير أن يُكشف أمرهم أو يُقاطعوا في عملهم. وهم لم يأخذوا معلومات حساسة مثل أرقام بطاقات الائتمان أو التأمين الاجتماعي، وهي الأشياء التي تباع بمبالغ كبيرة في السوق السوداء. ولكنهم تركوا برمجية خبيثة في الشبكة تمكنهم من استغلال المزيد من أنظمة الشركة أو السيطرة عليها في أي وقت يشاؤون. قدمت البرمجية الخبيثة بلاك إينيرجي والاختراق غير القانوني لبنك جيه بي مورجان للباحثين والسلطات الحكومية وحماة الشركات سبباً كافياً للتعجب فيما إذا كانوا يلاحظون تغيراً ناشئاً ولكنه ملموس في المشهد الأمني- وهو الذي يشير إلى أن الشركات الأميركية أصبحت الآن عُرضة لعمليات اختراق وهجمات إلأكترونية كانت يوماً مخصصة للحكومات والبنية التحتية الحساسة. عمليات الاختراق الأخيرة، إضافة إلى أخرى شملت شركة تارجيت للتجزئة وخدمات البريد في الولاياتالمتحدة تظهر أن المهاجمين يستطيعون احتلال الشبكات الإلكترونية لأشهر دون أن يلحظهم أحد. وإذا توافرت الدوافع لهؤلاء، فإنهم يستطيعون الدخول إلى نظام معين ودراسته وتعلم كيفية عمل أكثر من مجرد سرقة المعلومات. يقول ديفيد كوان، المستثمر في الأمن الإلكتروني في شركة بيسيمر فينتشر بارتنارز، إن ذلك أصبح اتجاهاً وهو يراقبه عن قرب واهتمام. ويعتقد بعض المختصين بالأمن بأننا سنرى هجمات على شركات ستكون أكثر تدميراً في العام القادم. أغلب المجرمين يخترقون نظاماً من أجل السرقة وبيع البيانات، ويندر أن نرى مهاجماً يحاول إغلاق أو إيذاء شركة. يقول جيرمي بيكيت، رئيس أبحاث تهديد المواقع في الشركة الناشئة في أرمور والمهندس السابق المسؤول عن أمن المعلومات في موقع المدفوعات PayPal باي بال: «لكي تُجهِز على هدف معين، أن تضع ثمناً لإلقاء القبض عليك، الناس يخترقون المواقع الإلكترونية لأجل مكاسب مالية وجعل إلقاء القبض عملية لها قيمة. والهجمات ذات الدوافع الإيديولوجية تحدث فقط في مناطق مستقطبة للغاية، مثل العراق.» ولكن مثل تلك الهجمات حدثت، منها على سبيل المثال حملة عام 2013 التي أحدثت الشلل في ثلاثة من أكبر بنوك كوريا الجنوبية. وقد تم تتبع البرمجية الخبيثة ليكتشف أنها جاءت من الصين، ويغلب على ظن المحققين أن كوريا الشمالية هي من شن الهجوم. هل تذكرون مهاجمي أنونيماس؟ فتلك الزمرة من المهاجمين في الفضاء الإلكتروني هاجمت أيضاً مؤسسات أميركية في عام 2010 لإظهار الدعم لجوليان أسانج وموقع ويكي ليكس. فقد حاول هؤلاء إغلاق مواقع أمازون وباى بال وفيزا وماستركارد. يبدو أننا نعيش في عالم أصبح مستقطباً بشكل متزايد، عالم أصبحت فيه العلاقات بين دول كبيرة مثل الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وإيران متأزمة بصورة متزايدة. ولهذا السبب يشبه باجانيني تهديد الإنترنت المتغير بسباق التسلح وأعمال التجسس التي ميزت معركة الحرب الباردة التي شنتها كل من الولاياتالمتحدة وروسيا على بعضهما البعض بعد الحرب العالمية الثانية وطوال سنوات الثمانينيات. قال مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي (الإف بي آي) مؤخرا: إن كل مؤسسة أميركية رئيسية جرى اختراقها من قبل الصين. وقد لاحظ مدير الإف بي آي، أن اللصوص لم يبذلوا جهداً لإخفاء هجماتهم - فقد قارنهم باللصوص السكارى - ولكنهم مع ذلك كانوا قادرين على الدخول إلى المواقع وسرقة كل أنواع بيانات الأعمال الحساسة. لنتخيل ماذا يمكن أن يفعل مهاجمون إذا أصبحوا قادرين وراغبين بالعيش خفية داخل شبكة رقمية، وتعلم كيفية السيطرة عليها، وكانت لديهم دوافع قوية ويملكون مشاعر جياشة أكثر من حبهم للسرقة أو الطمع.