عندما يكون الحديث أحادي النزعة ينفرد بها الرجال في ساحة ذكورية لا تسمح للمرأة إلا بالهمس فيجأر الرجل بصوته العالي لينسب جهد الآخرين لنفسه فهو المتحدث عن كل منجز وهو المسيطر على أي مشكل وهو وحده القادر على حل المعضلات حتى ولو كانت عمليات حمل وولادة. والمتتبع لأي منشور أو صحيفة يلحظ لغة الأنا عند الرجل وكأنه شمس لا تغيب عن أي حدث متناسيا جهد الآخرين وتتعاظم هذه الحالة عندما يكون المنجز أنثويا ليتواضع عن الأنا ويقول نحن بدلا من هن يرددها الرجل بلا شعور عن تلك «الكائنات» التي تشاركه إنسانيته فهن لن يبرحن هوامش النظرية وسوف تلازمهن التبعية، فحب التملك الغريزي والهيمنة السلطوية لم ولن يسمح لهن بالولوج في هذا الباب فهو اللجام الذي يكبح جماح مهرتنا العزيزة «المرأة» ولكي يصبح الرجل هو الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار متناسين قوله تعالى في محكم آياته «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا» سورة النساء آية 1. فجعلوا العادات والتقاليد تنظر لهن بمنظار جانبي يكمل رتوش الصورة فهم يعترفون بأنها تشكل غصنا من أغصان النبتة ولكنها لا تصل للجذور «حسب العرف السائد» من هذا المفهوم يمكن بترها والاستغناء عنها إلا إذا أردناها للظل عندما تحرق وجوهنا لفحة شمس الظهر تضيق أنفاسنا ونحتاج لأوكسجينها في ظلمة ليلنا «فنستخدمها» كأداة لبقائنا دون انقراض. وكل هذا خلفته لنا ترسبات التقاليد البالية التي عجز معشر الرجال عن تخطيها أو تجاوز ترهاتها فأكد عليها ورسخها خوفهم من القوى الطاردة التي ما فتئت تنمو باطراد وبعنف لتأخذ مكانها في تلك الساحة التي يحاول الرجل أن يهيمن عليها مهمشا نصفه الآخر. وما زاد الطين بلة أن الأخوات القادرات على التصدي- وما أكثرهن- قبلن أن يحبسن أنفسهن في الزوايا المعتمة راضيات بنصيبهن الذي يجود به الرجل خوفا من التصادم الحاد الذي يخرجهن من الساحة وما أكثر الساحات التي اخرجن منها كالعلمية مثل المشاركات في المؤتمرات والمنتديات العربية والدولية، والأغرب أن هناك شروطا ومواصفات لعبور ذلك النفق المصطنع وان عبرت فعليها الالتزام بتحفظات نوعية فالقيادة يجب أن تكون ذكورية له السلطة والصلاحية وكل الإنجازات تحسب للرجل. ولا يفوتني أن انوه عن المشهد الثقافي الذي يكون فيه الرجل الرئة التي يتنفس بها الإبداع الأنثوي لأنه يشكل جواز العبور لموثوقيته عند المتلقي ومصداقيته عند المبدعات لأنهن يعتقدن أن نتاجهن الفكري لن يكتب له الانتشار إذا لم يدمجه ويعرفه مثقف ذكوري حيث لا تجدهن إلا في حالة دفاع مستمر فقلما نجد أن حواء ناقشت عمل آدم لأنهن يسبحن في ضبابية عدم الفهم والتواء المعايير التي تصنف المنتج الإبداعي بين ذكر وأنثى وصنعن للذكورية هالة تعظيم لا تستحقها النساء مهما أبدعن مؤطرة بالحراك الاجتماعي المغذي بالثقافة الذكورية تحت وطأة العرف والتقاليد، فعلينا أن نعطى المرأة دورها الطليعي في المحاور الأساسية للقضية وأن تبادل شريكها في الإنسانية والكرامة حق الوجود والحياة خاصة أن ديننا الإسلامي وضع الإطار المحترم والحدود التي تحكم كل الأمور.. هكذا يتحدث الرجال في حسابات الكينونة والتكوين متناسين قوله تعالي (انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ابعد هذا نجد مجالا للتصنيف.