لا يحلو له الكلام إلا في حديث الماضي وأكلات الماضي ورحلات الماضي وأصدقاء الماضي وجيران الماضي، حتى رسائله تحمل مقاطع تحمل عنوان زمن الطيبين، والكثير من المقارنات بين الماضي والحاضر. للأسف هذه المقارنات تحمل الكثير من التجني على الحاضر، فهو لا يؤمن بأي شيء يحمل ملامح هذا الزمان!! فصاحبنا لا يرى في الحاضر أو المستقبل أي ميزة، ولا يُحب إلا الحديث عن عيوب الحاضر وآفات إنسان الحاضر مع احتفاظه بالتشاؤم غير المحدود عن المستقبل!! وأصحاب صاحبنا كُثر، حيث من يركبون هذه الموجة هذه الأيام لا حصر لهم، لكن مع تقديرنا للماضي الجميل وكل المميزات التي كانت موجودة والتغاضي عن الكثير من العيوب التي كانت تشيع في ذلك الزمان، لابد للإنسان ألا يعيش الخصومة مع الحاضر ولا يبني في بيئته الداخلية والعائلية كل هذا التشاؤم والاحباط من الحاضر والمستقبل، فرسولنا عليه الصلاة والسلام قال «الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة»، وهذا يجعل المتأمل يستفيد من مميزات الماضي وينقلها معه للحاضر، ويعلم أبناءه تلك القيم الجميلة والسلوكيات الرائعة ويغرس في نفسه ومن حوله كل جميل ورائع من كل زمن بدل النقد والسخرية وعدم الرضا من كل شيء يحمل وشاح المعاصرة. وهنا سوف يعيش أحسن الناس، حيث جمع بين جمال الماضي وروعة الحاضر واشراقة المستقبل ولم يعش خصومة مع زمنه أو انعزالا عن انسان عصره، فبعض الاحبة وقع في فخ تقديس الماضي والنقمة على الحاضر، والواقع أن الخير موجود هنا وهناك والسعيد هو من استطاع رسم لوحته بأجمل الألوان سواء أكانت من الماضي أو من الحاضر أو من المستقبل. هذه الموجة التي نعيشها الآن من الحديث المفرط عن الماضي يقودها أناس قد اشكل عليهم الحاضر فلم يتعايشوا معه واعتقدوا واهمين أنهم سوف يوقفون صيرورة الزمن ودورة حياته وهذا لا يمكن. كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول (لا تجبروا أبناءكم على عاداتكم فلقد خُلقوا لزمان غير زمانكم) وهذه الكياسة مهمة ليعيش الناس حالة من التصالح مع الجديد والتعايش مع كل زمن دون حالة البغضاء التي يعيشها البعض مع قدوم كل جديد أو مع التحولات الطبيعية التي تمر بالمجتمعات فتعود اسطوانة الهروب إلى الماضي والتترس خلف الذكريات بدلا من بذل جهد في التركيز على ايجابيات الحاضر وتلافي السلبيات فهناك مستوى من الحرية الشخصية التي يعيشها الانسان ويستطيع ان يختار كل ما يشاء من أجمل القيم والافكار والسلوكيات من كل زمن وعصر.