في مجالس الرجال يظل الحديث عن التعدد حديثا عن أمنية جميلة ورغبة كامنة لدى كثيرين، يقوم بعضهم من المجلس عاقدا العزم على اتخاذ القرار، ثم ما يلبث أن يغير رأيه إما خوفا من الأولى، أو لأنه رأى عدم حاجته للتعدد، أو تراءت له مشكلات الآخرين في التعدد، ففضّل أن ينأى بنفسه عن هذه المشكلات حفاظا على حسن علاقته بالأولى، أو اكتفاء بمشاكله معها من باب (اللي فينا كافينا، وما ناقصنا وجع راس). وبعضهم تراه في مجالس الحديث عن التعدد ينظر في جواله كل لحظة؛ خشية أن يكون اتصل او استقبل مكالمة من زوجته وهو لا يدري، فتسمع حديثه وحديث جلسائه، فهل مثل هذا مؤهل لتعدد ناجح؟ وهل فعله هذا اعتراف منه بالضعف أمام زوجته في اتخاذ قرار كهذا، أم أنه مراعاة لمشاعرها؟ وحينما يتحدث كثير من المعددين عن التعدد، فإنهم يعدونه القرار الأسوأ في حياتهم، فهل كان الخطأ في التعدد أو في مناسبته لهم، أو في سلوكهم وتعاطيهم مع تجربة التعدد؟ أما النساء فلهن رأي حول التعدد، إنه قرار يستجلب به الرجل لنفسه الهموم والمشكلات، وهو باب للتفكك الأسري. وتفاجأ ببعض المعددين يعرف بنفسه أنه (معدد ناجح)!، فهل يشكل هذا وأمثاله الأقلية؟، أم أن البيوت السعيدة عادة لا صوت لها، كما قيل؟ وحينما تطالعنا الأخبار بقصة رجل عدّد فقتلته زوجته، ونقرأ قصة تلك المرأة التي هنأت زوجها بزواجه، ونشرت إعلانا صحفيا لذلك، فإن العقلاء يعرفون أن هذه صور ونماذج شاذة لا يقاس عليها. وما قصة الزوجتين اللتين تسكنان بيتاً واحدا وتتعاملان كتعامل الشقيقتين، وقصة الزوجة التي اعتدت على ضرتها بالضرب، وخطفت طفلها، إلا صور نادرة تمثل الحالات المتطرفة، التي لا تشكل قاعدة عند الحديث عن التعدد. أما الواقع، فإن حياة التعدد مثل الحياة الزوجية بين زوجين، تمر بها لحظات الأنس، وتزورها المشكلات، إلا أنها قد تزيد بتهيؤ الأطراف للمشكلة؛ كونهم يمررون المواقف والتصرفات من خلال نظارة عدم القبول للآخر، وافتراض سوء النية عنده. وحينما شرع الإسلام التعدد أو أجازه فهل يتصور أن يكون ظلما أو ضرراً متيقنا للزوج أو الزوجة؟ بالتأكيد لا يتصور ذلك، وإن حاول البعض إظهاره كذلك. وليست الشريعة مسؤولة عن استغلال بعض الشرائع والمباحات في إلحاق الظلم أو الضرر بالآخرين، وليس فعل هؤلاء مجيزا لمنع المشروع وتحريم المباح، وإلا لجاز قياسا منع الزواج لانتشار المشكلات الزوجية. وهل مشروعية التعدد أو جوازه يبيح للزوج أن يعدد دون استعداد له، وهل له أن يجعله أداة يهدد بها زوجته؟ الحديث عن التعدد عند البعض حديث عن أمل وعند آخرين حديث عن ألم. إذا كان لكلمة (التعدد) جرس عند كثير من المتزوجين كجرس كلمة (الزواج) عند غير المتزوجين، فهل صار لكلمة (التعدد) جرس عند كثير من المتزوجات كجرس (الطلاق) ولماذا هذا وهذا؟ وهل غدا الحديث عن التعدد أشد من كلمة حق عند سلطان جائر؟ ولأهمية الموضوع فقد عزمت على الحديث عنه عبر عدة مقالات لاحقة، موجها الحديث للمعددين وأسرهم، ومجتمعهم، ومخاطبا المتزوجين وغير المتزوجات، حديث أسعى من خلاله للإصلاح ما استطعت، سائلا المولى أن يرشدني للصواب.