لا شك أنَّ المشاكل والعيوب التي نعاني منها واحدة من الأسباب الجالبة للتعاسة في حياتنا، ومن الطبيعي أن نقول ان التخلص منها سيسهم في تخفيف جرعة الألم من حياتنا، ويضفي عليها نوعاً من البهجة والسرور. لكن هناك نوعاً من المشاكل سواء التي نعاني منها، أو يعاني منها أشخاص تربطنا بهم رابطةٌ من نوعٍ ما، أولى خطوات الحل لها، الاعتراف بأنها من النوع الذي لا حلَّ له، فكما قيل: اليأس إحدى الراحتين. هناك عيوب ونقائص، التخلص منها وتنقية طبائعنا منها، أو مساعدة غيرنا على تجاوزها هو الحل لها. ومشاكل أخرى حلها يكمن في تجاوزها وعدم الوقوف عندها، بل الإصرار على حلِّها سيخلق منها مشاكل أخرى قد تكون أعقد وأعمق من المشكلة الأصلية. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اسْتَوْصُوا بالنساء خيراً، فإن المرأةَ خُلقت من ضِلَع، وإن أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه، فإِن ذهبتَ تُقيمُهُ كسرتَهُ، وإِن تركتَهُ لم يزلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء)) رواه البخاري ومسلم. هذا الحديث وإن كان ورد بخصوص المرأة، والطريقة الأنسب في التعامل مع طبيعتها وخِلقتها، إلا أنه يقدم لنا منهجاً واقعياً في طريقة التعامل التي من المفترض أن نسلكها في معالجتنا لبعض ما نعاني منه من طباع أو نقائص. من الطبيعي جداً أن تتحول حياة بعضنا إلى تعاسة منقطعة النظير إذا قرَّر أن يختصرها في تلك المشكلة التي يعاني منها. أو قرَّر أنه لا يمكن لحياته أن تبدأ حتى يتخلص من هذه المشكلة أولاً. ومن الطبيعي أيضاً أن تتحول علاقة الزوجين ببعضهما، أو الصديق مع صديقه، أو القريب مع قريبه، أو الأخ مع أخيه، إلى قطيعةٍ وتوترٍ وانزعاج إذا جُعل التخلص من هذا الطبع أو ذاك سبباً لبقاء العلاقة. نستطيع أن نفهم حالات الإحباط التي يعاني منها البعض، التي تصل بهم إلى أن يجعلوا من الانتحار حدَّاً لحياتهم. انهم جعلوا من مشاكل يعانون منها أو فشل منوا به المنظار الوحيد الذي من خلاله يشاهدون أنفسهم، أو يشاهدوا به الحياة من حولهم. وما علموا أن الحياة أوسع من ذلك وأرحب. ليست المشكلة بطبيعة الحال تستحق كل ذلك، لكن طريقة النظر إليها جعلها بهذا الحجم. إن طول النظر ودوام التفكير فيها أشبه ما يكون بتقريبها من عينيك حتى تحجب عنك الرؤية فلا تبصر غيرها، ولو أبعدتها عنك قليلاً لأخذت حجمها الطبيعي من بين الأشياء الأخرى. أن تعيش مشكلةً أو عيباً؛ فأنت تعيش سبباً من أسباب الحزن والتعاسة في حياتك، وإذا أسأت التعامل مع هذه المشكلة فأنت أضفت سبباً آخر لتعاستك. وقد تكون مثل هذه المشاكل ليست مشاكل حقيقية، بل أصبحت مشكلة بسبب النظرة المثالية للأشياء، أو الأحلام الوردية التي تخيلنا حياتنا ستكون عليها وجاء الواقع بخلاف ذلك. من الخير لنا أن نعيش حياتنا كما هي، وأن نتعامل مع مشاكلنا بواقعية أكبر. وأن نعرف أن السعي لحل بعض المشاكل هو من ضروب السعي للمستحيل. من المعاني العميقة التي يقدمها لنا الإيمان بالقضاء والقدر، الإيجابية في التعامل مع ما يقع علينا من مكروه وذلك بتركه وعدم التفكير فيه ومن ثم استئناف الحياة بكل سعتها ورحابتها (لا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل). والواقعية في التعامل مع المشاكل لا تعني تجاهلها فقط، بل نستطيع أن نجعل من هذه المشاكل مصدر إلهام ونجاح لنا في مستقبلنا، أقلُّه أن نتجنب الوقوع في مثلها، وأكثره أن نصنع منها نجاحاً، فكم من المبدعين والناجحين كان ما أصابهم بمثابة تحدٍّ لهم أصرُّوا معه على النجاح والإبداع!! فكان لهم ما أرادوا. لستَ مصيباً إذا كنتَ تؤجل سعادتك ريثما تنتهي من كل مشاكلك، فهي لن تنتهي، بل السعادة أن تُحسن إدارة واقعك وأن تعيش واقعك كما هو، وأن تتصالح مع هذه المشاكل فتبتسم في وجهها وتتعلم منها. عندها تكون قد استطعت أن تصنع من الليمون شراباً حلواً كما يُقال.