عودا إلى الموضوع الساخن، وهو أثر تراجع أسعار النفط في المدى البعيد، هنا نقول إننا أمام (ما ليس منه بد)، ونقصد أهمية التفكير الجدي في (إدخال الضريبة) التدريجي على النشاط التجاري، ففي السنوات القادمة موارد الدولة لن تكون كافية لإدارة وتشغيل البنية الأساسية الضخمة في عدة مجالات، وعلى سبيل المثال سوف تجد الحكومة نفسها أمام مأزق إذا رغبت تشغيل مئات المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية التي بنيناها، ولا ننسى المدن الجامعية وشبكات الطرق والنقل التي يجري تشييدها، كيف ننفق على إدارتها وتشغيلها؟ الضرائب آلية حضارية وهي من الأدوات الأساسية لتفعيل العقد الاجتماعي والمحافظة على مجتمع الرفاه، والذي نتطلع إليه هو تطبيق آلية ذكية لجمع الضرائب تستهدف معالجة الخلل في إدارة الاستثمارات وتوجيه النشاط الاقتصادي بحيث يلبي الاحتياجات والاعتبارات الوطنية العليا. أسوق مثالا لكيفية التوجيه الذكي للضرائب، وهذا المثال طرحته مرات عديدة. الآن لدينا انتشار كبير لمرض السكري، والتقديرات تشير إلى إصابة ثلث السكان بهذا الداء/ الوباء. تكلفة علاجه وما يتفرع عنه كبيرة جدا، ولو عدنا إلى نمط حياتنا لوجدنا أن نظم وعادات التغذية أحد المسببات الرئيسية لهذا المرض. انتشار محلات الحلويات والمخابز والمعجنات كبير جدا، وتوسعت بسبب استثمار دعم الدولة للدقيق الأبيض الذي كان هدفة دعم سعر الخبز الأبيض ليكون في متناول الناس. هذا الدعم الذي ما زال مستمرا منذ أكثر من ربع قرن، المستفيد الأكبر منه تجار الحلويات والمخابز، وهامش الأرباح في هذا المجال كبير جدا ولا يقل عن الثلاثين بالمائة، والمؤسف أنه من أكثر المجالات التي يرتع فيها التستر التجاري. هنا.. إذا فرضت الضرائب على منتجات الدقيق الأبيض وُدعمت منتجات الدقيق الأسمر الغنية بالألياف سوف نعكس المعادلة، سوف توفر الحكومة مصدر دخل يوجه لدعم علاج أمراض السكري ودعم المشروع الوطني الذي أطلقته وزارة الصحة العام الماضي لمحاصرة هذا المرض، وكذلك دعم الدراسات والأبحاث، ورفع برامج التوعية والإرشاد لمساعدة الناس للالتفات إلى نمط الحياة وأثره على نمو مرض السكري. هكذا قد يتحقق الدعم الذكي.. ويتحقق التوجيه الذكي للضرائب وفي هذا حافز قوي لتعديل السلوك السلبي لدى المجتمع ولدى المستثمرين. أيضا يتحقق البدء التدريجي لإدخال الضرائب لتنمية موارد الدولة ولرفع كفاءة إدارة الثروات الطبيعية. ليس من مصلحتنا استهلاك ثرواتنا الوطنية، وليس من مصلحتنا تربية الأجيال القادمة على استهلاك الثروة، علينا تربيتهم لإنتاج الثروة. إذا نحن نربي أبناءنا لزمان غير زمانهم، فعلينا إذن تربيتهم لزمان غير زمان النفط. الضرائب والتأمين، ومعهما (الدعم الذكي)، من الآليات الأساسية والضرورية للنشاط الاقتصادي الذي يقوم على آليات ومبادئ السوق الحر، فهي من الأدوات التي عبرها توجه الحكومات مجمل النشاط الاقتصادي، وتوجه سلوك الأفراد للجوانب الإنتاجية. وفوق هذا تعمق الإحساس بالمواطنة، وهذا سوف يقودنا إلى (رأس المال الاجتماعي) الذي يدعم زيادة الإنتاجية الاقتصادية، ويقود العلاج التلقائي للمشاكل الاجتماعية، كما أن رأس المال الاجتماعي، يقدم بيئة عملية لتشغيل آليات السوق بكفاءة عالية، وهذا ما سوف نناقشه لاحقا بحول الله.