يشهد العالم اليوم نموا سكانيا وارتفاع الطلب على الغذاء والضغط على الموارد الطبيعية وتغير المناخ والكوارث الطبيعية التي تؤثر على انتاج الغذاء وارتفاع سعر الغذاء بالإضافة الى استخدام الحبوب في انتاج الطاقة والتأثيرات السياسية والاقتصادية على الانتاج الغذائي، وهو ما استلزم جهودا دولية مشتركة بغرض توفير الغذاء، وقد أصبح ذلك اليوم أحد الأهداف الانمائية للألفية للأمم المتحدة. ولاشك أن دول مجلس التعاون هي ضمن هذه المنظومة الدولية تؤثر وتتأثر بهذه المعطيات، حيث أصبح من الضروري ترجمة جهود الدول الأعضاء في مجال انتاج الغذاء في استراتيجية خليجية متكاملة للتنمية الزراعية المستدامة بما يحقق الاستفادة المثلى بما تتمتع به دول الخليج العربي من مقومات وموارد والتكامل بين دولنا الشقيقة لتحقيق أفضل عائد واستثمار في موارد الأرض والمياه والبيئة. توضح الإحصائيات والتقارير المتعلقة بالأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي أن نسبة مساهمة قطاع الإنتاج الزراعي في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 2001 – 2012 أخذت بالتراجع عاما بعد آخر من 12,1% عام 2001 إلى 8.1% عام 2012. كما أخذت الفجوة الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي في التزايد عامًا بعد آخر خلال الفترة من 2001 – 2012، حيث ارتفعت من 9 مليارات دولار عام 2001 إلى 23.5 مليار دولار عام 2012، أي أنها تضاعفت بأكثر من مرة خلال السنوات العشر الماضية. كما أن دول مجلس التعاون الخليجي تستورد نحو 90% من احتياجاتها الغذائية من الخارج. كما تشير تلك الإحصائيات الى أن مساحة الأراضي المزروعة في دول الخليج تتراوح ما بين 1.5 – 5% بالمقارنة مع 18% في الولاياتالمتحدة و24% في بريطانيا و52% في الصين. وتتركز المنتجات الغذائية على الحبوب والخضراوات والفواكه ومنتجات الحليب والبيض ومنتجات اللحوم والدواجن والاسماك. وتستورد دول التعاون 37 مليون طن متري من الأغذية أي أربعة أضعاف انتاجها المحلي. كما قامت دول الخليج بالاستثمار في البلدان التي تتمتع بفوائض في الأراضي الزراعية مثل تركيا والسودان وأثيوبيا وجنوب أفريقيا وباكستان وأندونيسيا وكازاخستان وفيتنام. أما فيما يخص الصناعات الغذائية الخليجية، فتشير دراسة لشركة ألبن كابيتل شملت 20 شركة للصناعات الغذائية الى أن شركات صناعات الأغذية تتركز في السعودية مثل صافولا والمراعي وحلواني والشركة الوطنية للتنمية الزراعية والشركة السعودية للألبان والأغذية، ثم الكويت مثل شركة الأغذية الكويتية (أمريكانا) ثم الإمارات مثل مجموعة الأغذية ثم سلطنة عمان مثل شركة أريح وعمان لمطاحن الدقيق. وتبلغ عائدات هذه الشركات أكثر من 12 مليار دولار سنويا. وتتوزع أعمال شركات الصناعات الغذائية بشكل رئيسي على صناعات المحصولات الزراعية كالحبوب والطحين وغيرها ثم صناعات الألبان والعصائر ثم صناعات الأغذية المثلجة ثم صناعات منتجات اللحوم والأسماك. تحقق هذه الشركات نموا سنويا في أعمالها يتراوح ما بين 15 – 25% سنويا. كما يبلغ العائد السنوي لهذه الشركات متوسط 10% سنويا غير أنه يرتفع عند بعضها لنحو 20% في حين يبلغ العائد على رأسمال نحو 12% في المتوسط لدى هذه الشركات. وتشير التوقعات إلى حصول نمو قوي مستقبلا في الصناعات الغذائية الخليجية نتيجة عدة أسباب يأتي في مقدمتها النمو القوي في الناتج المحلي الخليجي حيث يتوقع بلوغه تريليوني دولار مع نهاية هذا العقد، كذلك زيادة حصة الفرد من الدخل القومي حيث ناهزت مستويات الدول المتقدمة (27 ألف دولار)، والنمو السكاني الكبير حيث يتوقع بلوغ عدد السكان 46 مليون نسمة عام 2015. كما سوف يكون لدخول الاتجاهات الحديثة في الاستهلاك الغذائي في دول التعاون مع التركيز على الأغذية الغنية بالبروتينات ودخول كبرى شركات الأغذية العالمية للسوق الخليجي وتزايد الوعي بأهمية الغذاء الصحي وتزايد مظاهر المدنية في المجتمعات الخليجية تأثير كبير على حجم واتجاهات الصناعات الغذائية، في حين يتوقع تواصل النمو على الغذاء من قبل دول المجلس خلال السنوات القادمة حيث يتوقع أن تبلغ فاتورة الغذاء 36 مليار دولار عام 2015 ثم 56 مليارا عام 2020. وتقول دراسة لمركز الدراسات العربية ان تحقيق الأمن الغذائي الخليجي يمثل أهمية كبرى لدول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما بعد تنامي التحديات التي تواجهها في هذا الشأن، ومع توقع ظهور تحديات أخرى جديدة مع ارتفاع الفجوة الغذائية التي تشهدها. ولعل أبرز تلك التحديات هي محدودية موارد القطاع الزراعي في دول المجلس من أراضٍ زراعية ومياه وتحديات مناخية وبيئية صعبة، حيث لا يشجع ذلك على زيادة الإنتاج الزراعي، يضاف إلى ذلك قلة التمويل والاستثمار الموجه للنشاط الزراعي، ومحدودية التنسيق الخليجي والمشروعات المشتركة في المجال الزراعي، وضعف استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الزراعة، ومحدودية الأراضي المتاحة للزراعة، مع ضعف اهتمام القطاع الخاص بتوجيه استثماراته نحو القطاع الزراعي والتصنيع الغذائي، وعدم وجود سياسة زراعية واضحة في مقابل دعم الإحلال العمراني والاستثمار العقاري على حساب القطاع الزراعي وتنميته. ومن بين محاور العمل الرئيسية للاستجابة لتحدي الأمن الغذائي هو تعزيز وتقوية دور القطاع الخاص في الأمن الغذائي الخليجي. كما أن الاتفاق حول مفهوم خليجي موحد للأمن الغذائي بحاجة للمزيد من النقاش بهدف وضع رؤية واضحة لتبني إستراتيجية مشتركة، وأهمية التركيز على تنفيذ الأمن الغذائي النسبي الذي يركز على تأمين المواد الغذائية الرئيسية كالحبوب والقمح والأرز والبقوليات، والدخول في مجالات الاستثمار الزراعي في الخارج من خلال اتفاقيات حكومية تؤمن الضمانات اللازمة ومن خلال الشركات الخليجية القائمة حالياً التي تمتلك خبرة واسعة في البلدان الزراعية الخليجية، وإعطاء الأولوية للاستثمار الخليجي الغذائي والزراعي المشترك، سواء في مجال الزراعة أو الصناعات الغذائية أو إقامة المخازن والصوامع للدول الخليجية نفسها كل حسب المزايا والموارد الزراعية واللوجستيات والمنطقة الجغرافية التي يتمتع بها، مع الأخذ بالاعتبار مشروع سكة الحديد الذي سيربط بينها مستقبلاً، وعلى ضرورة إدخال قضية المياه ضمن دراسة الأمن الغذائي. دول الخليج مطالبة بالتصدّي لتحديات الأمن الغذائي محليا ودوليا