قال الله تعالى لنبيه: (وشاورهم في الأمر) فكان - صلى الله عليه وسلم - يستشير أصحابه ويأخذ برأيهم ويقبل منهم. قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قيل: إن الله أمر بالمشاورة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فغيره أولى بالمشورة. ردد - صلى الله عليه وسلم - كثيراً في يوم بدر: أشيروا عليّ أيها الناس، أشيروا علي أيها الناس حتى قام أبوبكر وتكلم وقام عمر فتكلم، وقام المقداد فتكلم ثم قام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً، إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله. وفي معركة بدر نزل - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون عند أدنى ماء من مياه بدر، فقام الحباب بن المنذر فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟، قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماءً ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فأخذ الرسول برأيه ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار. وأثنى الله على المؤمنين لأن أمرهم شورى بينهم، وجعل من شروط فطام الصبي أن يكون عن تراض وتشاور. قال الشاعر: عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة *** كحدة السيف لا تغني عن البطل قال عمرو بن العاص وهو داهية العرب: إني لا أقدم على أمر حتى أستشير فيه عشرة من عقلاء القوم وحكمائهم. استشر ولا تكتف بعقلك، استشر فإن العقول المتعددة ليست كالعقل الواحد، استشر فإن نجحت فالحمد لله وإن كان غير ذلك لن تندم لأن غيرك معك وكان هذا رأيه ونصحه واختياره. احرص أن تستشير العقلاء المتجردين العارفين، واحرص على استشارة المتخصص في الأمر ومجيده فإذا أردت شراء سيارة فليس من الحكمة استشارة إمام المسجد أو معلم في المدرسة ولكن استشر ذا خبرة بالموضوع....وهكذا. قال الحسن رحمه الله: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.