الميل الى القول إن سياسة طهران أضحت مكشوفة في المنطقة هو ميل لا يجانبه الخطأ، فثمة منهجان واضحان قد لا يختلف عليهما اثنان يتمحور الأول في الاستغلال الايراني لعلامات يظن ساسة طهران أنها ايجابية حول نقاط متبادلة بينهم وبين واشنطن لتسريب شائعة تدور في الأوساط السياسية بين البلدين حول الذراع الايرانية الطويلة في المنطقة التي بامكانها الامتداد بحرية في شؤونها الداخلية، وقد بزغ بريق هذه الشائعة بحجة تروج لها طهران مفادها أن البيت الأبيض قد يعترف بنفوذها في المنطقة، وقد أدى ذلك كما هو مشهود الى تصعيد ايران لتدخلاتها في بعض دول المنطقة وصاحب هذا التصعيد المعلن تأجيج سافر لمختلف التوترات الاقليمية المشهودة على الساحة، ولا شك أن هذه الخطوة المقرونة بترويج تلك الشائعة يراد منها في الأصل احراج واشنطن أمام حلفائها من جانب، والضغط على الحلفاء أنفسهم في مسعى واضح تريد طهران من ورائه تراجعا أمريكيا يحول دون الاستمرار في شن الغارات الجوية الممنهجة ضد الحركات المتطرفة في العراقوسوريا من جانب آخر، وقد لا يخفى على أي مراقب سياسي أن طهران تحاول التلميح لا التصريح للغرب بتقديم تنازلات معينة في ملف برنامجها النووي الذي لا يزال مفتوحا. ويناور الايرانيون بوضوح حول خطوات مجموعة الخمسة زائد واحد لجذب الأنظار بشأن اتفاق اطاري قد لا يرضي المجموعة، وتنكشف المناورة في الاستفادة من تضارب الآراء حول الملف المفتوح، وطهران في هذا السياق تحديدا تحاول أن تبيح تدخلاتها السافرة غير الخافية في شؤون المنطقة لاسيما تلك المتعلقة بمفاوضات جنيف الثانية المزمع انعقادها وجزئيتها الخاصة باحباط تشكيل سلطة انتقالية في دمشق. ولعل من الواضح أن رفض التمييز بين النظامين الايراني والسوري من قبل معظم الدول العربية قد لا يبدو مقبولا على أي مستوى سياسي على اعتبار أنهما وجهان لعملة واحدة، فالطرفان يخوضان معركة واحدة للحفاظ على السلطة الأسدية وهو أمر دفع البيت الأبيض لتوقف مرحلي حول نتائج المحادثات التمهيدية التي انعقدت مؤخرا في جنيف، فقد اتضح أنها سوف تفشل فشلا ذريعا كما هو متوقع لرفض دمشق الخوض في جزئيات أو تفاصيل فكرة المرحلة الانتقالية، والتمييز بين النظامين الايراني والسوري قد يبدو صعبا أو مستحيلا لرفضهما القاطع دعوات العرب والولايات المتحدة بسحب قوات الحرس الثوري وقوات حزب الله من الأراضي السورية، وايقاف طهران عن تشجيعها السافر لبعض الميليشيات العراقية للدفاع عن حليفها السوري والحيلولة دون سقوطه الوشيك. وقد واجهت طهران تلك الدعوات بما فيها التصور الروسي للأزمة السورية بتدخلات في الشأنين اليمني واللبناني، وقد أدى ذلك الى تفجير الأوضاع الأمنية في الشمال اليمني تحديدا من قبل القوات الحوثية، فتوقفت جهود التهدئة الى حين، كما أن تلك التدخلات أدت الى توتير الحركة الانفصالية التي ترعاها طهران وتمولها في الجنوب اليمني، وفي الشأن اللبناني وبفعل تدخلات الايرانيين كشف حزب الله عن تعزيز ممارسته المعهودة في منع أدوار الدولة لتفعيل مؤسساتها الدستورية واعلانه بلسان ايراني أن قرار تلك الأدوار بيده وحده سواء ما تعلق منها بانتخاب الرئاسة اللبنانية أو ما تعلق بتشكيل الحكومة أو ما تعلق أيضا بالسياسة الخارجية اللبنانية جاهلا أو متجاهلا الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان والأوضاع الأمنية- شبه المتفجرة– في طرابلس. ولا تقف تدخلات ايران في شؤون المنطقة عند حد بعينه فها هي تحاول الاستفادة قدر امكانها من الأزمة التي تعيشها حركة الاخوان المسلمين في مصر وتحاول في ذات الوقت مغازلة الأتراك وحركة حماس لجذبهما اليها في مسعى مكشوف لاحتواء الموقف العربي المعتدل حيال قضايا المنطقة، وايران في ذات الوقت تحاول تعطيل الحوار الوطني بالمنامة لمعالجة المشكلات القائمة بين القيادة البحرينية والمعارضة. وتستمر طهران في تدخلاتها المكشوفة في شؤون المنطقة بطريقة لا تخفى على أحد، وهي تدخلات أدت الى اشعال فتائل التوتر والتخريب واصابة الأمن الوطني في كل من سورياوالعراق في مقتل، وما زالت تصر على انتصار حليفها في دمشق في معاركه اليائسة مع الجيش الحر رغم ادراكها يقينا أن هذا الاصرار يتعارض مع الواقع تماما فالنظام السوري المتهالك بدأ يترنح اليوم ليس من قبل ضربات الجيش الحر وحده بل من ضربات الحلفاء الجوية التي ترى في النظام لونا من ألوان الارهاب الذي لا بد من استئصاله.