لم تستطع المجموعة العربية في المؤتمر ال 58 المنعقد في فيينا للوكالة الدولية للطاقة الذرية سبتمبر/أيلول 2014 من الحصول على الأصوات الكافية لإدانة القدرات والمخاطر النووية "الإسرائيلية". وكانت المجموعة العربية قد طالبت "إسرائيل" بضرورة الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي وتحقيق الهدف الذي يسعى إليه الجميع بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل. ومثل هذا المطلب عمل عليه العرب منذ عقود من السنين، ولكنهم لم يفلحوا في تحقيقه لاعتبارات كثيرة، تتعلق بالدعم الدولي، ولاسيما الأمريكي "لإسرائيل"، وبالضغوط التي تمارسها اللوبيات الصهيونية واليهودية بشكل عام لدعم "إسرائيل"، وكذلك بدرجة جاهزية "إسرائيل" وألاعيبها على المستوى الدولي وقدراتها الذاتية البشرية والعسكرية والاقتصادية، يضاف إلى ذلك التفكّك العربي وانهيار الحد الأدنى من التضامن بسبب الصراعات والحروب والنزاعات المسلحة. وبالطبع فقد صوّت ضد القرار دول الاتحاد الأوروبي، ولاسيّما لذكر اسم "إسرائيل" في متن القرار، وعارضته بشدة الولاياتالمتحدة. شارك في المؤتمر 162 دولة عضواً في الوكالة، إضافة إلى أربع دول أخرى انضمت إلى العضوية، وهي جزر القمر وجيبوتي وجمهورية غويانا وجمهورية فانوتوا. وأهمية العضوية أن هناك نظام الضمانات الشاملة الذي يقضي بأن تقدّم الدول الأعضاء تقارير دورية حول أنشطتها المتعلقة باستخدام المواد النووية والتكنولوجيا النووية الحساسة، بالإضافة إلى تسهيل عمل مفتشي الوكالة بالوصول إلى المنشآت والمواقع المعلنة وغير المعلنة وتقديم المعلومات المطلوبة حول أنشطة تصدير واستيراد المواد والتكنولوجيا النووية الحساسة أو المعدّات ذات الصلة. وهذه الضمانات تعتبر جزءا من إجراءات تعزيز بناء الثقة وهي أقرب إلى آلية إنذار مبكّر لضمان عدم استخدام البرامج النووية لأغراض غير سلمية. وعلى الرغم من أن البرنامج النووي "الإسرائيلي" قديم، بل من أقدم الدول في المنطقة وعلى نطاق إقليمي وعالمي، لكن "إسرائيل" لا تعترف بأنها تمتلك أسلحة نووية، وهي ترفض إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية، وفي الوقت نفسه تضغط على منع عدد من دول المنطقة امتلاك قدرات نووية حتى للأغراض السلمية، وتتجاهل كل المطالبات بإخضاع برنامجها للرقابة الدولية. وقد سبق لها أن قصفت المفاعل النووي العراقي في حزيران (يونيو) 1981، وكانت وراء قصف بعض المواقع في سوريا المعروفة ببستان الفواكه في العام 2007، مثلما تهدد بقصف المفاعلات النووية الإيرانية التي تعتبرها خطراً ضدها وضد دول المنطقة. وظلّت تهدّد بذلك وقد لا تتورع بقصفها إذا رأت الفرصة مناسبة، أو إذا حصلت على ضوء أخضر من الولاياتالمتحدة، أو أنها أرادت توريط الأخيرة وجعلها أمام الأمر الواقع. وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد عبّر عن ترحابه الشديد بعدم اتخاذ قرار من طرف الوكالة لإدانة إسرائيل على مساعيها النووية والمخاطر التي قد تشكلها، وكان قد لفت النظر إلى إيران ومساعيها لامتلاك سلاح نووي يهدّد الأمن في المنطقة واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قرار الوكالة انتصاراً جديداً للدبلوماسية "الإسرائيلية"، وجاء الرفض بأغلبية 58 صوتاً، في حين صوت إلى جانب المشروع العربي 45 صوتاً. إن الدعم الذي تقدّمه واشنطن والغرب عموماً لتل أبيب بشأن مشروعها النووي يجعلها دولة فوق القانون، فهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط، بل في العالم التي ترفض إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية، وهذا يعني جعل المشروع الاستعماري الاستيطاني التوسعي فوق المحاسبة الدولية، الأمر الذي يطلق يد "إسرائيل" وحريتها في التصرف دون أية ضوابط قانونية أو حقوقية أو إنسانية، سواء بشن العدوان تلو الآخر ضد العرب والفلسطينيين أو بهدر حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة، وعموم فلسطين أو في التجاوز على قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولاسيّما اتفاقيات جنيف وجميع المعايير القانونية الدولية. وحصل ما حصل خلال السنوات الأخيرة على نحو سافر، وذلك بشن حرب تموز (يوليو) ضد لبنان في العام 2006 أو حروبها الثلاثة ضد غزة: عملية عمود السحاب (أواخر العام 2008- أوائل 2009) وعملية الرصاص المصبوب العام 2012 وعملية الجرف الصامد (العام 2014) وهي حروب متصلة لتدمير ما تبقى من الكيانية الفلسطينية ولتحطيم معنويات الشعب العربي الفلسطيني وإجباره على الاستسلام وقبول الأمر الواقع. وللعودة إلى السلاح النووي، فإن البرنامج "الإسرائيلي" النووي يعود إلى السنوات الأولى لإنشاء دولة " إسرائيل"، وكان بن غوريون رئيس الوزراء "الإسرائيلي" قد أبلغ مجموعة من الوزراء والمسؤولين في العام 1952 بأن السبيل الوحيد لردم الهوة الديموغرافية والاقتصادية والعسكرية السحيقة مع العرب هي بناء أسلحة نووية، وهو الذي ترأس مشروع "إسرائيل" النووي منذ ذلك الحين وأسس هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية. وفي العام 1955 وفي ظلّ المبادرة الأمريكية " الذرة من أجل السلام" سعت "إسرائيل" للحصول على الدعم النووي ووقعت اتفاقيات مع الولاياتالمتحدة. وحصلت على أول مفاعل صغير للأبحاث وتم التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب وخصوصاً الطرق الجديدة لتخصيبه وحصلت من فرنسا بعد فترة وجيزة على تزويدها بمفاعل فضلاً عن مصنع لفصل البلوتونيوم، وقد نشأ ذلك في إطار ما هو معروف بمفاعل ديمونا النووي، وقامت النرويج بتزويدها بالمياه الثقيلة اللازمة لتبريد مفاعل ديمونا، وبدأ المفاعل العمل منذ العام 1964، وحسب مذكرات شمعون بيريز فإنها حصلت على أول قنبلة نووية بدائية منذ ذلك التاريخ. وظلّت "إسرائيل" تمانع من الانتماء إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورفضت المصادقة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وكانت قد اشترطت ضمان الولاياتالمتحدة أمن "إسرائيل" في أي وقت، وعدم ربط عملية السلام في المنطقة بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. و"إسرائيل" منذ العام 1968 تتبنّى سياسة عدم الانضمام إلى الوكالة وعدم الاعتراف بوجود أسلحة نووية لديها. ولم تكتفِ "إسرائيل" بذلك، بل عملت خلال وجود نظام الفصل العنصري "الأبرتايد" في السبعينيات في جنوب أفريقيا على التعاون معه لتحسين ترسانتها النووية، ولكن ما فضح جهود "إسرائيل" هو ما أطلقه مردخاي اينونو حول مصنع الأسلحة النووية غير القانونية المنشأ تحت مفاعل ديمونا. وحسب الخبير الأمريكي انتوني كوردسمان من المحتمل أن الترسانة النووية الإسرائيلية اليوم تضم أكثر من 100 قنبلة نووية بما فيها صواريخ باليستية وقاذفات مقاتلة وغواصات وصواريخ كروز على الرغم من إنكار " إسرائيل". وإذا كانت "إسرائيل" قد وقعت في العام 1996 على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، إلاّ أنها لم تصادق عليها، وقد امتنعت من حضور مؤتمر نزع السلاح في العام 1998، الأمر الذي قاد إلى قرار صدر من الأممالمتحدة في 18 أيلول (سبتمبر) العام 2009 عبّر فيه عن قلقه إزاء قدرات " إسرائيل" النووية ودعاها إلى الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع منشآتها للرقابة الدولية، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً مماثلاً في العام 2012 إلاّ أن " إسرائيل" رفضت أيضاً السماح بتفتيش منشآتها النووية. ماذا يبقى أمام الفلسطينيين والعرب بعد فشلهم في إجبار "إسرائيل" على الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، بل والتمادي في المشروع النووي الإسرائيلي، يضاف إليه إعادة احتلال أجزاء من فلسطين وتهويد القدس وإيصال اتفاقيات أوسلو إلى طريق مسدود، على الرغم من كل التحفظات عليها، وشن عدوان متكرر ضد غزة؟ الجواب قد يكون برأي عام فلسطيني شامل بالصمود الفلسطيني وبالذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية والحصول على عضوية المنظمات الدولية كاملة وتحريك الرأي العام العالمي ضد "إسرائيل" وخطر استمرار إعفائها من التبعات القانونية إزاء السلاح النووي والعمل مع المجتمع الدولي لإخلاء المنطقة كاملة من أي سلاح نووي لكي لا تبقى حجة بيدها أو بيد غيرها تستخدم ضد مصالح شعوب المنطقة وبالأخص الشعب العربي الفلسطيني. باحث ومفكر عربي