ليست النفط، لكنها مرتبطة ارتباطا وثيقا به. السلعة التي يتحدث عنها هذا المقال هي الفوائض المالية. قد يتردد البعض عن تسمية الفوائض المالية بالسلعة، فهي لا تظهر في أي تقرير للصادرات السلعية، كما أنها لا تستخدم كمادة أولية أو ثانوية أو حتى مكتملة الانتاج. ولكن لهذه الفوائض خصائص مهمة تجعلها السلعة الأهم على الاطلاق، فالمال صار أهم وسائل وعناصر الانتاج في هذا العصر. وطريقة انتقاله من فرد لآخر ومن دولة لأخرى تحدد العلاقة بين الطرفين، بل يمتد التأثير ليحدد مستقبل العلاقة. أقول إنها أهم الصادرات على الرغم من أنها تتكون في الخارج وتسكن هناك، فهي أموال قامت شركات وحكومات دول أجنبية بدفعها لقاء النفط السعودي في معظم الأحيان، ولكنها لم تحول إلى داخل المملكة. فباتت تستثمر في أوراق مالية وسندات هي الأكثر أمانا للحفاظ عليها. حماية الفوائض المتراكمة عاما بعد عام باستثمارها في سندات الحكومة الأمريكية ضرورة ملحة، ليس لأجل الحفاظ على هذه الثروة فقط، فهي تستخدم أيضا في تمويل النمو العالمي. فلو فرضنا أن العالم يحتوي على 100 دولار فقط لغرض التبسيط، وقامت الولاياتالمتحدة بشراء برميل نفط واحد، فهي لن تعود قادرة على شراء أي شيء آخر. ولذلك فإننا نقوم بإقراض جزء من هذه الدولارات المائة للاقتصاد الأمريكي ليقوم بالتالي بدفع رواتب ودعم مصانع تقوم بتحويل برميل النفط إلى سلع مكتملة. ولذلك نجد الاهتمام العالمي يتزايد يوما بعد يوم بالاحتياطيات المالية الضخمة التي كونتها الدول النفطية أو دول مجلس التعاون. فيتكرر الحديث عنها في تقارير صندوق النقد الدولي، والذي أشار آخرها إلى أن السعودية قد تلجأ للسحب من هذه الاحتياطيات. بغض النظر عن أهداف الصندوق الدولي وما إذا كان مسيسا لخدمة أهداف دول بعينها، فإن توقف تدفق أموال النفط السعودي والخليجي إلى دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا خصوصا أمر مثير للقلق لكافة أطراف الاقتصاد العالمي، بما فيهم نحن. وكما نجد أن الاهتمام العالمي بهذه السلعة متزايدا يوما بعد يوم، فإن المواطن أيضا يتطلع لهذه الأموال وكأنها قد حجبت عنه. ولكنه ينسى أن اقتصاد بلده غير قادر على امتصاص واستيعاب هذه الفوائض، فهي تفوق حجم الاقتصاد مرتين على الأقل. ولذلك فإن من الطبيعي أن يتم إنفاق جزء من دخل النفط داخل السعودية والاحتفاظ بالباقي لتمويل عمليات وأنشطة الاقتصاديات المتقدمة حتى تستمر في النمو وتحافظ على مستوى الطلب على النفط ضمن حدود مقبولة. ولكن ما يجب أن نلتفت إليه ونركز عليه بشكل جدي، هو الجزء الذي ينفق داخل السعودية. فمعظم ما ينفق يذهب لنفقات جارية لا تساهم في تنوع مصادر الدخل، بل حتى ان النفقات الرأسمالية من الميزانية تعمل في ظل صناعة النفط ولا تخلق صناعات قائمة بذاتها لا تعتمد على الدعم النفطي.