كان دخول شبكة الانترنت والإعلام الجديد وعلى الأخص شبكات التواصل الاجتماعي إيذاناً بانهيار نظرية حارس البوابة في الإعلام، فقد كان الإعلام من صحافة ومجلات وقنوات فضائية تخضع في مخرجاتها لحارس البوابة أو رئيس التحرير أو مدير القناة والمؤسسة الإعلامية الذي يملك سلطة مركزية في تمرير الأفكار والأخبار وإبراز الشخصيات التي تتوافق مع أفكاره أو توجهاته أو أهداف المؤسسة الإعلامية التي يملك مفاتيح بوابتها، وكإفراز طبيعي لضعف البنية القانونية والحقوقية في العالم العربي فإن نوعية الأفكار والأخبار والشخصيات التي يتم إبرازها لم تكن تعكس بشكل دقيق لتطلعات المجتمعات العربية وهمومها والشخصيات المؤثرة في سلوكها وصياغة أفكارها. ثم جاء الإعلام الجديد الذي أعطى للفرد العادي من داخل غرفته حق الدخول في حيز الفضاء العام وإبداء الرأي دون استئذان من حارس البوابة، وربما كان لبرنامج التواصل الاجتماعي «تويتر» الدور الأكبر من حيث الانتشار والاستخدام في المجتمع السعودي، من أبرز نتائج هذا الانفتاح الإعلامي في مجتمعنا أنه أعطى فرصة لشرائح المجتمع المختلفة فرصة الحوار والنقاش بعيداً عن الأطر والأجواء المصطعنة وهذا أدى بطبيعة الحال إلى أن نكتشف جوانب إيجابية رائعة في مجتمعنا من التكافل والتعاضد والمبادرات الاجتماعية الرائعة كما صدمنا الطائر الأزرق بشبكته الاجتماعية بجوانب مؤسفة من التعصب الديني والمناطقي والقبلي والتدني الأخلاقي التي دقت ناقوس الخطر في دواخلنا. لقد أجبر تويتر العديد من الرموز المثقفة والإعلامية والسياسية على النزول من أبراجهم العاجية إلى الشارع السعودي بكل ما فيه من ظواهر إيجابية وسلبية وهذا شكل امتحاناً عسيراً «للرمز» في مؤهلاته العلمية والفكرية ومهارته الاجتماعية في التعامل مع أنماط مختلفة ومتنوعة من الناس وهذا أدى لتألق جملة من الرموز كما أدى في الوقت ذاته لسقوط آخرين. لقد أصبح تويتر « نافذة شفافة» للمسؤول في وزارته ومؤسسته تقدم له تغذية راجعة ورصد لنبض الشارع أفضل بكثير من التقارير المزخرفة بعبارات الثناء والتبجيل التي يكتبها موظفوه ومستشاروه، وهذا أدى لتقليص الهوة بين المسؤول والمجتمع وجعل المسؤول في مواجهة مباشرة مع تطلعات الناس وهمومهم وآمالهم وجعل إلقاء تبعة الغفلة عن هموم الناس على المستشارين والموظفين غير مستساغ ولا مفهوم لدى أكثر شرائح المجتمع. بقي أن يقال إن تويتر شكل مساحة واسعة لممارسة الحرية في الكتابة ولكنها ليست حرية مفتوحة بلا حدود كما يظن الكثيرون بل لتويتر حدوده وصُنّاعه الذين يتحكمون في مساحة التغريد في أرجائه، ولعل الله أن ييسر الحديث في ذلك في مقال قادم بإذن الله.