في دراسة للباحث د. عابد العبدلي- اقتصادي سعودي وأستاذ جامعي- أشار إلى أن موسم الحج يمثل حالة وظاهرة فريدة من نوعها، حيث يتضمن عدة أبعاد في آن واحد، فهناك بعد إيماني وتعبدي يتمثل في اداء مناسك الحج كركن من اركان الاسلام، وهناك بعد زماني يتمثل في كون اداء هذه المناسك مرتبطاً بفترة زمنية مخصوصة وهي ايام الحج، وهناك بعد جغرافي او مكاني يتمثل في ارتباط اداء هذه المناسك في مكان مخصوص وهي مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة. واجتماع هذه الابعاد في ظاهرة واحدة وفي آن واحد جعل من الحج ظاهرة فريدة واجتماعاً بشرياً هائلاً له انعكاسات متعددة منها اقتصادية وادارية وتنظيمية وامنية. فعلى المستوى الاقتصادي، هناك انعكاسات وآثار اقتصادية للحج يمكن رصدها على المستوى الجزئي المتعلق بانفاق الحجاج اثناء اقامتهم في المملكة، وكذلك على المستوى الكلي من خلال الآثار الاقتصادية الكلية للحج على اقتصاد المملكة. فعلى المستوى الجزئي، فإن قدوم الحجاج واقامتهم في مكةالمكرمة ينشئ انماطا متعددة من الانفاق وبالتالي طلبا في اسواق السلع مثل شراء الهدايا والاطعمة والخدمات مثل الانفاق على الاسكان والمواصلات وغيرها، كما ان الطلب المباشر ينشئ انماطاً متعددة من الطلب المشتق في اسواق مساندة اخرى. و أضاف العبدلي: مع اهمية الآثار الاقتصادية للحج على الاقتصاد الجزئي والكلي، غير انه لا يمكن الحصول على ارقام دقيقة وموثوقة لقياس هذه الآثار، وعلى المستوى الرسمي لا يوجد احصائيات دقيقة عن آثار الحج الاقتصادية مثل متحصلات وحوالات رسوم الحج الفعلية لكل عام وانصبة القطاعات المختلفة من عوائد الحج، وكذلك الطلب على الريال السعودي خارجيا خلال فترة الحج، فهناك العديد من الاحصاءات والبيانات المتعلقة بالحج والتي من خلالها يمكن قياس الآثار الاقتصادية للحج بقدر معقول من الدقة والثقة. وحتى على مستوى المسوح الميدانية والابحاث التي يقوم بها معهد خادم الحرمين الشريفين لابحاث الحج بجامعة ام القرى، لا يوجد لديه احصائيات دقيقة يمكن الاعتماد عليها، واغلب الاحصائيات التي يصدرها يشوبها كثير من التناقض خصوصا فيما يتعلق ببيانات الحجاج الاقتصادية، وربما ذلك لاعتماد المعهد في الغالب على ابحاث فردية يقوم بها بعض منسوبيه او باحثون آخرون، مما يفقدها الدقة والمصداقية. و ذكر الباحث أنه من الممكن ان نتعرف على بعض من اقتصاديات الحج والقاء الضوء على بعض آثاره الاقتصادية، في ظل البيانات والدراسات المتاحة. والحج لا تقتصر آثاره الاقتصادية المباشرة على مدينة مكةالمكرمة فقط بل تشمل كافة المناطق التي يمر او يمكث بها الحجاج مثل المدينةالمنورةوجدة والطائف وغيرها من المناطق، التي تنتعش اقتصاداتها اثناء الحج. وتستحوذ مكةالمكرمة على النصيب الاكبر من عوائد الحج الكلية. كما أبان الباحث ارتباط حجم اجمالي عوائد الحج بالتكلفة الكلية لاداء الحج، وتبدأ هذه التكلفة من بلد او من قرية وريف الحاج القادم إلى أداء الحج سواء كان من خارج او داخل المملكة، وتشمل تكاليف التذاكر والنقل والمواصلات والإقامة والإعاشة قبل وبعد الوصول إلى مكة والإقامة فيها والمكوث في المشاعر المقدسة وحتى انتهاء المناسك. ويمكن تقدير العوائد الكلية للحج من خلال تقدير هذه التكاليف التي يدفعها الحجاج مقابل أداء مناسك الحج، وكذلك من خلال نفقاتهم ومشترياتهم من الهدايا وغيرها أثناء إقامتهم. ومن المعلوم ان جزءا كبيرا من هذه التكاليف لا يرتبط بآلية السوق الحر، فهي عبارة عن رسوم ذات فئات محددة، لاسيما في قطاع الاسكان والمواصلات والخدمات المصاحبة في الحملات او عبر مؤسسات الطوافة، كما تقوم هذه الحملات ومؤسسات الطوافة بالتفاوض عن الحجاج في سوق الإسكان والمواصلات، ومن ثم تتقاضى قيمة هذه الخدمات عبر الرسوم التي تفرضها مع هوامش ربحية لهذه المؤسسات. وتختلف هذه الرسوم حسب الخدمات المقدمة. وحسب بعض البيانات الإحصائية المتاحة، وبعض الدراسات التي قدرت الحد الادني لتكلفة الحج لمعظم الدول الاسلامية مع الاخذ في الاعتبار وسائل النقل وفئات الخدمات المقدمة للحجاج. كما ختم العبدلي اننا نجد في الاحصائيات المتاحة ان متوسط تكلفة الحاج من الخارج (8351 ريالاً) اعلى منها بالنسبة لحاج الداخل (4500 ريال) مع العلم ان تكلفة الحج من الداخل قد تصل احيانا الى 20 الف ريال للفرد نظير خدمات خاصة او ما يسمى (حج خمسة نجوم) وكذلك ايضا بالنسبة لحجاج الخارج، ولكننا ركزنا على متوسط التكلفة، مع الاخذ في الاعتبار بالظروف السائدة مثل معدلات التضخم الاخيرة، اضافة الى تضاعف اسعار الخدمات الاسكانية بمكةالمكرمة. كما نجد ان الانفاق على الاسكان يتصدر ميزانية الحاج (35%) يليه انفاقه على الهدايا (25%) ثم المواصلات (28%) ثم الانفاق على الغذاء (9%)، وتأتي في الاخير الرسوم الخدمية (3%). وبناء على هذه التكاليف يمكن لنا ان نقدر عوائد الحج الكلية لهذا العام على اعتبار ان المتوقع ان يصل عدد الحجاج الكلي الى 3 ملايين حاج من الداخل والخارج، وعلى اعتبار تساوي نسبة حجاج الداخل والخارج، حيث ان بعض الدراسات الميدانية السابقة كانت تشير الى ان حجاج الداخل يمثلون 50% من إجمالي أعداد الحجاج.