أنزل الله تعالى قرآنه الكريم باللغة العربية، فشرفها وشرف الناطقين بها ورحم الله الحافظ ابن كثير في تفسيره هذه الآية (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) حيث قال: إن لغة العرب أفصح اللغات وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلذلك أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة وكان ذلك بأشرف بقاع الأرض، وابتدأ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكَمَلَ من كل الوجوه. ذلك ما قاله الإمام ابن كثير في عصره، ولكننا في هذا العصر نقع تحت هجمات شرسة تتلخص في غزو فكري يمهد له (غسيل مخ) تجمعت علينا كل هذه الضباع والسباع والذئاب، ومن نعرفهم ومن لا نعرفهم، فالله المستعان في زمن الخمسينات والستينات كانت الأفلام المصرية تأتينا من خارج الحدود، ويكون في سيرورة الرواية زواج وعقد قران يصنع المخرج (المأذون في موقف المتكلم بالعربية الفصحى في أسئلته وأجوبته ونصائحه للمتزوجين، فيتميز هذا المأذون بلباسه ولغته العربية الفصحى وعمامته وجبته، فيكون مدعاة للضحك والسخرية وهذه من مظاهر العبث بالمفاهيم والحقائق الخلقية والثوابت، وأخطر هذه الأسلحة التي تهيئ للغزو هو سلاح [غسيل الدماغ] وإذا تم غسيل الأدمغة وإخواؤها مُلئ هذا الفراغ بما يريد العدو من مفاهيم هدامة وأفكار ضد العقيدة والأمة.. أمة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم . وأخبث هذه الغزوات الشرسة وأخطرها عندما يُجِّيشون أبناء الأمة ضد أمتهم فيعمل هؤلاء الأبناء ما يجب أن يعمله أولئك الأعداء. فمثلاً جاءتنا الوجودية والبعثية والإلحادية على أقلام ومن أفواه بعض أبناء الأمة، فصارت مثل هذه العينات المغررة سوسة تنحت في هيكل الأمة.. في دينها ومثلها وثوابتها ولغتها وحتى أسلوب حياتها، وذلك لغرض امتصاص شحنة الانتماء والولاء للدين والدولة المسلمة، ومن وسائل الشعوبيين في التشكيك في ثوابت الأمة أن تسخر أنت من نفسك، ومن كل ما تلتزمه من عادات وتقاليد ومُثُلٍ عليا، فعندما تسخر من نفسك أو يسخر منك أخوك أو ابنك فهذا أبلغ الألم فما رأيك لو رأيت مقالاً أو رسماً بريشة ولد من أبناء الأمة، يتهكم على شيء مما تقدسه أو تحترمه مثل اللغة العربية أو اللباس العربي الموروث من الأجيال الماضية، وما هذه الحشود من أبنائنا وفلذات أكبادنا والتي صارت تحارب ديننا بالقتل والفوضى والانتماء المشبوه إلى فئات خارجة عن القانون وضالة في عقيدتها، ما هذه إلا نتيجة حتمية لغسيل الدماغ السائر على قدم وساق في أمتنا. ولقد قال الأستاذ المساعد في كلية الشريعة جامعة الملك عبدالعزيز الشيخ الفاضل/ عبدالرحمن حسن الميداني في الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام كلمة لها وزنها ومعناها المضيء، قال: تسخير طوابير الجيش الجديد الذي تصنعه أيدي العدو في هدم كل مقومات أمته، ومحاربة كل ما يتبقى لها من فكر وعقيدة، أو خلق وسلوك، أو تاريخ ومجد. واتخذ الغزاة عدة وسائل لتفريغ أفكار أجيال من أبناء المسلمين، وتفريغ قلوبها ونفوسها، من محتوياتها ذات الجذور العقلية والوجدانية والعاطفية والأخلاقية. وإثارة ألوان الهزء والسخرية، وأنواع التهكم بعلماء الدين الإسلامي، وبالأحكام الإسلامية، والعبادات وممارسيها. ولهذا السلاح أثره القوي لدى ضعفاء النفوس، الذين توجههم الضغوط الاجتماعية، إذ يتخاذلون أمامها، ويجنبون عن فعل الحق والخير وسلوك سبيل الهدى، أمام استهزاء المستهزئين، وسخرية الساخرين، وتهكم المتهكمين، وما أكثر ما يستعمل دعاة الباطل هذا السلاح الحقير ضد أنصار الحق من المؤمنين. وقد انتشرت في المجتمعات المسلمة المختلفة الأجهزة المأجورة لاستخدام هذه الوسائل. وعقب على ذلك بقوله: وواجب أهل الرأي والغيرة والعمل أن يقابلوا كل سلاح بما يبطله ويفني أثره، وأن يقوموا بحركات غزو مضادة على مواقع أعداء الإسلام الفكرية والنفسية والسلوكية، حتى يحبطوا كيدهم وينصروا دين ربهم، ويستعيدوا مكانهم القيادي في العالم. إن أعداء الأمة لم يجدوا فجوة تمر منها جرذانهم إلى كيان الأمة الإسلامية إلا هذه الفجوة والله المستعان.