الملفات المشتعلة من لبنان الى المنطقة ككل ومن حرب "حزب الله" في الداخل اللبناني الى الإقليم وامتداداته الخارجية الى الحرب الدولية على الإرهاب، مروراً بمصير المسيحيين في الشرق، وصولاً الى ما سيكون عليه مصير المنطقة ككل في الآتي من الأشهر, كلها كانت عناوين أساسية في الحوار الذي أجرته "اليوم" مع رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع الذي كانت له قراءات خاصة انطلاقاً من بعدين الأول كلاعب أساسي على الساحة اللبنانية، وأحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، والثاني كقارئ لأحداث المنطقة وتداعياتها على الساحة اللبنانية بشكل خاص وعلى المسيحيين بشكل عام، فقد أكد جعجع انه ليس "العائق أمام انتخاب الرئيس بل المعرقل الأساسي هما "حزب الله" و(رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون لمقاطعتهما الانتخابات، وقال: "سبق واعلنت من بكركي انني "لست مرشحا أنا أو لا أحد" في شهر أيار/مايو أي قبل انتهاء المهل الدستورية للانتخاب". وشدد على ان عون "نظرياً يسعى للرئاسة ولكن عملياً ما يقوم به يعطل الانتخاب ويطرح معادلة "إما أن أكون رئيسا للجمهورية اللبنانية أو لا انتخابات على الإطلاق"، هذه المعادلة ليست ديموقراطية وغير مقبولة وانها محاولة فرض بالقوة". وعلق رئيس "القوات" على اقتراح قوى 8 آذار إجراء الانتخابات النيابية أولاً ومن يحصد الأكثرية يحق له اختيار الرئيس، معتبراً انها محاولة ل"ذر الرماد بالعيون"، مثلما اقترح عون في السابق اجراء انتخابات الرئاسة مباشرة من الشعب، فأي "مجنون" "وما في عقل براسو" يقترح هكذا اقتراح ونحن نعيش مأزقاً رئاسياً". وأعلن أن "الإرهاب استجلب الى لبنان مرتين، الأولى من خلال قتال "حزب الله" في سوريا، والثانية لعدم ضبط الحدود اللبنانية السورية". وعزا العرقلة في حل قضية أسرى الجيش اللبناني لدى "داعش" وجبهة "النصرة" الى "وجود حكومة "من كل وداي عصا" لا تتمكن من الاتفاق على شيء"، قائلاً: "عندما نشكل حكومة تحت مسمى جميل وجذاب اسمه "حكومة وحدة وطنية" نجد أنها فعلياً "حكومة فرفطة وطنية" كونها "تفرفط" القرار الوطني وغير قادرة على القيام بدورها". وأثنى على "أهمية الهبة السعودية في دعم وتسلح الجيش"، الا انه شدد على ضرورة أن "يترافق أمر التسليح بالقرار السياسي الواضح لدى الحكومة بما يجب على الجيش القيام به". واعلن ان "حزب الله" "لم يرتكب في قتاله بسوريا خطأ تكتيكياً أو إستراتيجياً بل تاريخياً سينعكس على المجموعة الشيعية ككل لسنوات طويلة قادمة". هنا نص الحوار: الرئاسة والانتخابات النيابية برأيك، هل ترشحك للرئاسة لا يزال مجدياً، خصوصاً بعد الصرخة التي أطلقها حليفك رئيس حزب "الكتائب" اللبنانية الرئيس أمين الجميل، حيث دعاك العماد عون لسحب ترشيحكما لصالح مرشح مقبول؟ من اللحظة الأولى التي أعلنت فيها ترشيحي للرئاسة أبديت استعدادي لسحب هذا الترشح إن قبل الفريق الآخر بتسوية معينة انطلاقاً من ظروف البلد، ومقولتي في بكركي أنني "لست مرشحا أنا أو لا أحد" في شهر أيار/مايو أي قبل انتهاء المهل الدستورية للانتخاب، خير دليل على موقفي ذلك. لهذا لست العائق أمام انتخاب الرئيس بل المعرقل الأساسي هما "حزب الله" وعون لمقاطعتهما الإنتخابات. ولذلك، فإن العرقلة لا تتعلق بالمرشحين لهذا المنصب وترشيحي والعماد عون قد يوصل أحدا منا للرئاسة أو أحدا ثالثا، والعرقلة تتعلق بمسألة حضور جلسات الانتخاب. ألا يحق للجنرال ميشال عون أن يحارب حتى "الرمق الأخير" للوصول الى بعبدا، بحسب أسبابه الثلاثة أنه الممثل الأول للمسيحيين ويعتبر أن بإمكانه أن يحقق إجماعاً من أكثر من طرف سياسي، ثالثاً أنها الفرصة الأخيرة له للوصول الى الكرسي؟ الجميع يتعاطى مع سائر الفرقاء على الساحة اللبنانية ولكن هذا لا يعني اننا متفاهمون على مشروع سياسي واحد. أما الجنرال ميشال عون فيحق له ان يسعى الى آخر لحظة وعبر الوسائل الديموقراطية والقانونية المتعارف عليها كي يصبح رئيساً ولكن "آخر لحظة" لديه كانت ليل 24 أيار/مايو أي عند انتهاء آخر مهلة دستورية وإحدى الأساليب الدستورية والقانونية المتعارف عليها والتي تتم عبر حضور جلسات الانتخاب وليس تعطيلها كما يحدث الآن. وبالتالي، نظرياً نعم عون يسعى للرئاسة ولكن عملياً ما يقوم به يعطل الإنتخاب ويطرح معادلة "إما أن أكون رئيسا للجمهورية اللبنانية أو لا انتخابات على الإطلاق"، هذه المعادلة ليست ديموقراطية وغير مقبولة وانها محاولة فرض بالقوة. لم تراجع الاهتمام الدولي بالشأن الرئاسي مقابل مكافحة الارهاب والتحالف الدولي والاقليمي ضد الارهاب في سوريا، والى أي مدى قد تغيّب هذه المواضيع الاستحقاق الرئاسي؟ أساساً، نريد أن يتراجع الاهتمام الدولي بهذا الملف، كما أنه مطلب مزمن للشعب اللبناني، كونه يتوجب على النواب اللبنانيين أن ينزلوا الى المجلس النيابي وينتخبوا رئيساً للبلاد، ولا يحق لأي دولة في العالم أن تتولى هذه المهمة بدلاً عن النواب والمجلس. هنالك دستور ومواد دستورية تحدد كيفية إجراء الانتخابات وعلينا الاهتمام بكيفية الالتزام بها وتحمل مسؤولياتنا بهذا الاتجاه والتخلي عنها جزء من التعطيل الذي قد يستجلب التدخل العربي والدولي والأجنبي في كل مرة بانتخابات الرئاسة وهذا الأمر مرفوض ولا يجوز. لماذا لا تسير وقوى 14 آذار باقتراح 8 آذار الذي يدعو الى إجراء الانتخابات النيابية أولاً، ومن يحصد الأكثرية يحق له اختيار الرئيس؟ اننا نسير بهذا الاقتراح ك"قوات" لبنانية لرغبتنا بالذهاب باللعبة الديموقراطية حتى الآخر، الا ان هنالك أسبابا موجبة نتفهمها وعبرت عنها 14 آذار لتأجيل الانتخابات النيابية. اما أحد هذه الموجبات فتتمثل بوجود مشكلة دستورية فعلية، فهل نجري انتخابات نيابية ومن ثم تقع البلاد بمشكلة دستورية، لأنه ان تمت هذه الانتخابات واجتمع النواب لانتخاب رئيس للمجلس ولم يوافقوا على انتخاب رئيس للجمهورية فلن يتم التوافق ايضاً على انتخاب رئيس للبرلمان، وهكذا أصبح لدينا نواب من دون مجلس نيابي ورئيس له، ولا رئيس للجمهورية، اضافة الى ان الحكومة بحكم اجراء الانتخابات النيابية أصبحت حكومة تصريف أعمال. من هنا يحق ل 14 آذار السعي لتأجيل "النيابة" حتى حصول "الرئاسة" انطلاقاً من هذه المخاوف. أما من جهة ثانية، فهناك "قول حق يراد منه باطل"، فإذا جرت هذه الانتخابات، منطقياً أكثرية النسب محسومة لصالح سمير جعجع أو ميشال عون أو ميشال عون وسمير جعجع، لأجل ذلك فليتفضل الجنرال ومعه 8 آذار بالنزول الى المجلس ولتحصل الانتخابات على هذا الأساس، ومن يفز تحق له الرئاسة، الا ان هذا لن يحصل لأن هذه القوى لا ترضى بهذه اللعبة الديموقراطية واقتراح 8 آذار هو "ذر الرماد بالعيون"، مثلما اقترح عون في السابق اجراء انتخابات الرئاسة مباشرة من الشعب، فأي "مجنون" "وما في عقل براسو" يقترح هكذا اقتراح ونحن نعيش مأزقاً رئاسياً وغير قادرين على الاتفاق على أي من الملفات العالقة، فمنذ ثلاث سنوات نحاول الاتفاق على سلسة الرتب والرواتب كي نتفق على تعديل دستوري بهذا الاتجاه؟!. لهذا، من الواضح أن اقتراحاتهم هي مجرد تغطية لتعطيل الانتخابات ومحاولة ل"ذر الرماد بالعيون" هدفها تعطيل الرئاسة. ثانياً: في الوضع الأمني والارهاب الذي يهدد لبنان: هل الخطر الذي يهدد لبنان، يثبت نظرية "حزب الله" انه كان يحارب الارهاب في سوريا لمنع امتداداته الى لبنان؟، ألا تعتقد أن الحزب نجح في تقليل خطرها؟ لم ينجح وأكثر من ذلك. فإن "حزب الله" لو لم يذهب للقتال في سوريا والتزم بسياسة "النأي بالنفس" التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية، وتم نشر الجيش اللبناني بمساعدة كبيرة ومعروضة عليه من ألمانيا وفرنسا واوروبا بالتحديد عبر مراقبة الحدود اللبنانية السورية والسيطرة بالكامل عليها عبر الوسائل التقنية الحديثة اي عبر انشاء أبراج مراقبة يتم ربطها ببعضها البعض عبر أسلاك مكهربة، كيف كان بالإمكان لهذه الويلات أن تعصف بلبنان، ولن يكون هنالك من حجة لدى المعارضة السورية لملاحقة "حزب الله" في الداخل اللبناني ولن يكون لدى البعض أي سوء نية لإحداث أعمال شغب وتخربية في البلد ان تم اغلاق الحدود. من هنا أطرح سؤالاً، لماذا المقاتلون السوريون لم يستهدفوا النظام في الأردن، لأنه لم يرسل وحدات عسكرية تقاتل في الداخل السوري وضبط حدوده، هذا ما كان يجب علينا أن نفعله على الحدود، ومنع احد من الذهاب الى سوريا للقتال هناك، وهكذا تم استجلاب الارهاب الى لبنان مرتين، الأولى من خلال قتال "حزب الله" في سوريا والثانية لعدم ضبط الحدود. لماذا حتى الآن الحكومة اللبنانية لا تملك خطة واضحة للتفاوض في ملف أسرى الجيش لدى "داعش" وجبهة "النصرة"، بينما نجد في المقلب الآخر أن الخاطفين يتحدثون عن شروط ومطالب تتعلق بالمقايضة، فلم هناك أمور في الجانب اللبناني تحكى"فوق الطاولة" تختلف عما يحكى "تحت الطاولة"؟ عندما نشكل هكذا حكومة "من كل واد عصا" لن تتمكن من الاتفاق على شيء، الآن وبعد مضي ثلاثة أشهر على أزمة أسرى الجيش لا أحد يعلم ما هي سياسة الحكومة في هذا الملف، فهل هي تفاوض أم لا وما هو شكل هذا التفاوض مقايضة أم لا مقايضة أم نصف مقايضة؟، والسبب يعود الى أن كل فريق داخل هذه الحكومة يملك نظرة مختلفة للأمور. عندما نشكل حكومة تحت مسمى جميل وجذاب اسمه "حكومة وحدة وطنية" نجد أنها فعلياً "حكومة فرفطة وطنية" كونها "تفرفط" القرار الوطني وغير قادرة على القيام بدورها كونها أداة تنفيذية لعجزها عن اتخاذ أي قرار وهذا الأمر ينسحب في الوقت الحاضر على قضية العسكريين المخطوفيين وقضايا أخرى كثيرة، من أجل ذلك لم نشارك في هكذا حكومة على الرغم من المكاسب السياسية فيها، الا ان المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ولا مصلحة وطنية في تشكيلها. كيف تجد مستقبل تسليح الجيش اللبناني؟ وهل قابل للتنفيذ في القريب العاجل؟ لن يكون قابلاً للتنفيذ كما يجب الا بانتخاب رئيس جديد للبلاد، أما النقطة الثانية فإنه وبالرغم من أهمية تسليح الجيش الا ان المشكلة ليست بالتسليح بل بغياب القرار السياسي له، حيث اننا نجد الا قرارا سياسيا في كثير من القضايا، حيث يتم ترك الجيش من دون قرار واضح لكيفية التصرف وتترك الأمور للقدر. الى أي مدى بإمكان تنفيذ الهبة السعودية أن يغير من قدرات الجيش اللوجستية والقتالية سواء في محاربة الارهاب وفي مقاومة الخطر الاسرائيلي وامكانية أن يكون الجيش وحده القوة العسكرية والأمنية التي تبسط سيطرتها على كامل التراب اللبناني؟ عامل مساعد جداً جداً، ولكن إن لم يترافق مع إرادة سياسية واضحة بالاتجاهيين لن يتمكن من فعل شيء. ما فائدة تسليج الجيش الأميركي في غياب القرار السياسي لتدخله في منطقة الشرق الأوسط، فعلى الرغم من الأحداث الكبيرة التي عصفت بالمنطقة، تجد ان الآن تمكن الجيش الأميركي من الحصول على القرار السياسي بالتدخل. فإذاً، يجب أن يترافق أمر تسليح الجيش بالقرار السياسي الواضح لدى الحكومة بما يجب على الجيش القيام به. الجميع يستذكر أحداث طرابلس التي استمرت على مدى ثلاث سنوات وخلفت وراءها ألف قتيل والآلاف من الجرحى وعطلت المدينة الا انها لم تنته الا عندما حضر القرار السياسي، فهل سننتظر لثلات سنوات كي نتمكن من حل أزماتنا؟. «حزب الله» استجلب ويلات ستنتهي الحرب في سوريا عاجلاً أم آجلاً، وسيعود "حزب الله" الى لبنان، لهذا سيكون هناك تداعيات على محورين، الأول ان "حزب الله" سيكون أداؤه موقع تقييم من اللبنانيين وجمهوره بعد الخسائر التي تكبدها في سوريا وكبدها للبنان، والمحور الثاني هو انه سيضع لبنان في حالة تأزم مع أي نظام جديد سيحكم سوريا بعد الاسد، كيف ستقرأ هذه المرحلة بجانبيها السلبيين؟ لم يرتكب "حزب الله" في قتاله بسوريا خطأ تكتيكياً أو إستراتيجياً بل تاريخياً سينعكس على المجموعة الشيعية ككل لسنوات طويلة قادمة، والشعب اللبناني من الآن يحكم على "حزب الله" من وراء حربه في سوريا. أما فيما يتعلق بأي نظام جديد سيحكم سوريا، أعتقد أنه سيميز بالأمور وسيعلم أن هذا الحزب كان يقاتل في الماضي ولا يمثل الشعب اللبناني ككل والنظام الجديد سيتعاطى مع لبنان من خلال حكومة مقابل حكومة بمعزل عن قتال "حزب الله" في الماضي، مع تأكيدنا ان قتاله كان غلطة كبيرة، الا اننا لن نقبل بقدوم أحد الى لبنان للانتقام منه، فهذا مسٌ بسيادتنا الوطنية بغض النظر عن تقييمنا ل"حزب الله". يرفض "حزب الله" وإيران الهجمات التي يشنها التحالف الدولي في سوريا بينما النظام السوري راض عنها، كيف ذلك؟ يتمسك النظام في سوريا بأي طريقة تمكنه من الخلاص "بجزء من جلده" وليس "جلده بالكامل". لدى إيران و"حزب الله" مجال واسع للمناورة بعكس الأسد، بغض النظر عن التفاهمات التي تتم بينهم، الا ان النظام في سوريا لا وجود له من دون إيران وعملياً لا وجود له وهو كناية عن قلعة ايرانية على الارض السورية لا أكثر ولا أقل. أطماع إيران هل سيقتصر التحالف الدولي في سوريا على الجماعات الإرهابية أم أن "وراء الأكمة ما وراءها"، خصوصا ان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قال: ان الحرب التي يخوضها التحالف في سوريا لا تساعد على بقاء الأسد في سوريا؟ "أمام الأكمة ما أمامها" لإعلانهم الواضح أنهم لن يكتفوا بضرب "داعش" بل يريدون تصحيح كل الأوضاع التي سمحت لهذه الخلايا بالنشوء بالدرجة الأولى والتضخم بهذا الشكل. نجد انهم بدأوا بتصحيح الأوضاع في العراق من خلال الإطاحة بحكومة نوري المالكي وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة مع الأخذ بالاعتبار مطالب السنة في العراق، لهذا أعتقد أن الامر ذاته سيحصل في سوريا وليس سراً على أحد، لأنه بوجود بشار الأسد في سوريا سيبقى الوضع على ما هو عليه، وسيكون بيئة مساعدة جداً لنشوء "دواعش" جديدة، لذا يجب تغيير البيئة السياسية ككل في سوريا من خلال ذهاب الأسد والتوصل الى حكومة وحدة وطنية، فنحن لسنا مع فريق يسحق الآخر، بل مع حكومة وحدة وطنية برنامجها يكون قائما على قيام دولة جديدة ديموقراطية وتعددية وتحترم الحريات العامة في سوريا. هل لا تزال الوصاية السورية بعد المستنقع الذي وقع فيه النظام السوري اليوم، موجودة في لبنان بأوجه مختلفة؟ استبدلت كلياً بوصاية إيرانية من خلال "حزب الله" وأكبر دليل على ذلك، ومن دون قصد ناقش بالأمس رئيس الحكومة تمام سلام مع الرئيس الايراني حسن روحاني الاستحقاق الرئاسي. برأيك، هل انكسر الهلال الايراني الممتد من طهران الى العراقفسورياولبنان وفلسطين، بعد الذي جرى في العراق والإطاحة بحكومة نوري المالكي، وما جرى اليوم في سوريا من خلال التحالف الدولي ضد الإرهاب بمعزل عن رأي إيران وبعد تقويض مشروع إيران في لبنان عبر "حزب الله"، فهل تقلص هذا المشروع أم انه لايزال قادراً على المقاومة؟ مما لاشك فيه ان آخر أربعة أو خمسة أشهر من احداث العراق تلقت ايران ضربة موجعة لاعتقادها أن العراق محسوب عليها كلياً ليتبين بعد ذلك أن نصفه خارج عن سيطرتها عملياً، حتى رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي يترك مسافة بينه وبين إيران بخلاف ما فعل سلفه نوري المالكي على الرغم من علاقته بالأميركيين. أما الآن وبعد تشكيل التحالف الدولي وبقاء إيران خارجه، تلقت إيران ضربة ثانية على مستوى المنطقة ككل، من خلال ترتيب الأوضاع داخل سوريا، بعدما أصبح هذا النظام غير قادر الا على السيطرة على الحديقة التي يسكن فيها. وهكذا ضعف النفوذ الإيراني في المنطقة وسيضعف أكثر وأكثر عما كان عليه في السابق الى أي حد كبير نتركه للمستقبل. هناك موجة كبيرة لتخويف المسيحيين في الشرق بعد الذي حصل بمسيحيي العراقوسوريا، وخصوصا ان البعض من مسيحيي النظام السوري في لبنان لا يزالون يسعون الى سياسة تخويف المسيحيين من خلال تسويق فكرة ان النظام السوري وايران هما الوحيدان القادران على حماية الأقليات في المنطقة؟ هذه مقولة تشمل كل الواقع الموجود، لهذا أريد التذكير بأن أول هجرة مسيحية فعلية حدثت في سوريا عند استلام حزب "البعث" حيث ان المسيحيين هناك كانوا يعملون في مجال التجارة والصناعات الكبيرة والوكالات، أما موجة التهجير الثانية فحصلت عند استلام الأسد الحكم مباشرة انطلاقاً من الطريقة التي تعاطى بها داخل سوريا. لا يمكن للمسيحيين أن يعيشوا أتباعاً من دون حريات سياسية او عامة، الآن تحصل هجرة مسيحية ثالثة، وكل المقولات التي تتردد عن قدرة النظامين السوري والايراني لتأمين حمايتهم غير صحيحية، وما يخدم المسيحيين في سورياوالعراق هو قيام دول تعددية ديموقراطية حرة فعلياً في هذه المجتمعات، وهذه هي دعوتنا السياسية، وليس عبر ربطهم بأنظمة ديكتاتورية ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، ولهذا الافضل دفعهم أكثر وأكثر للمراهنة على أنظمة ديموقراطية فعلية، فهذه هي بطاقة التأمين الوحيدة التي بإمكانهم التمسك بها وغير ذلك سيكونون "حرس حدود" عند بشار الأسد أو غيره من ديكتاتوريات المنطقة. كلمة أخيرة لا يجب أن نحكم على الأحداث في المنطقة انطلاقاً من العنف والأسى والخسائر البشرية الكبيرة والمادية التي نراها في منطقة الشرق الأوسط التي تبدأ الآن بتاريخها الفعلي والذي قد يستغرق سنة أو سنتين أو خمسا أو عشرا، ولكن مما لا شك فيه ان هذا هو الطريق الصحيح وليس كما كانت عليه الاوضاع من الحرب العالمية الأولى حتى الآن، حيث كانت المنطقة "مصبرة" غير قادرة على التحرك يميناً أو شمالاً، والتاريخ الفعلي بالرغم من كل مآسيه هو الذي نعيشه الآن، ولو أفرج عنه مع بداية القرن أي عند نهاية الحرب العالمية الأولى فلن يكون مكلفاً عما هو عليه الآن. جعجع يتحدث ل « اليوم » في بيروت