أثبتت الأيام أن دول جوار ليبيا بذلت إلى الآن ما تستطيع لإيجاد حل سياسي للفرقاء الليبيين ومع كل هذه الجهود فان النتائج المرجوة التي يتوقع أن تحقق وقف إطلاق النار ورسم خارطة طريق تخرج الناس من محنتهم لم تتحقق إلى الآن. دول الجوار العربية وعلى نحو خاص أظهرت حرصا بالغا تجاه تطورات الأحداث في ليبيا، وخلال الأشهر الماضية كان للجانب التونسي دعواته الخاصة لجمع الليبيين حول طاولة للحوار ولكن تلك الدعوات لم تُؤت نتائج ملموسة، مصر كان لها مساع واضحة، والجزائر هي الأخرى قيل في أكثر من مناسبة إنها سعت بشكل حثيث لعمل شيء يساهم في وقف حدة الصراع في ليبيا ويقلل من تداعيات انهيار الأوضاع الأمنية فيها وعلى دول الجوار ولكن دائما كان هناك عقبات إما من الجانب الليبي أو من بعض أطرافه، أو أن يكون هناك رؤية خاصة للطرف الداعي تضعه في بعض الأحيان في خانة الطرف غير المحايد والذي لا يمكن الوثوق بمساعيه حسب وجهة نظر احد أطراف الصراع. التحرك الأخير في هذا الميدان جاء من مدريد في السابع عشر من شهر سبتمبر الحالي حيث عقد مؤتمر هناك اهتم ببحث الوضع في ليبيا، اللافت أن هذا المؤتمر تزامن مع إعلان للبرلمان الأوروبي عن ليبيا حَمَلَ الناتو جزءا من المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا بعد إسقاط نظام العقيد القذافي، وبغض النظر عن هذه الإشارة التي تحمل ربما جرعة من تأنيب الضمير تجاه ما يحدث في ليبيا، فان مؤتمر مدريد يأتي على حقائق مهمة قد تساعد الليبيين على تجاوز شيء من محنتهم السياسية والأمنية، والنقطة الجوهرية التي اقرها لقاء مدريد هي الإعلان بأن بالبرلمان المنتخب حديثا في طبرق ومعه حكومة عبدالله الثني بأنها المؤسسات الشرعية والجهات الوحيدة التي تمثل الشعب في ليبيا. هذه الخطوة تزيل الالتباس والازدواجية السياسية ويعزز من أهميتها أن مؤتمر مدريد ممثل بما يقرب من إحدى وعشرين دولة إضافة إلى حضور ملموس للأمم المتحدة وللجامعة العربية، هذا الدعم الدولي القوى للبرلمان الليبي في طبرق يحتم على أعضاء البرلمان التقاط الرسالة بحصافة والبحث عن مخرج للصراع الدائر بين الليبيين، هناك جماعات سياسية من المنطقة الغربية وممن يقودون المؤتمر الوطني العام وممن نصبوا حكومة إنقاذ موازية في طرابلس اتضح انه لا يمكن تجاوزهم على المستويين السياسي والعسكري، بعبارة أدق يتوجب على أعضاء البرلمان المؤيد بالشرعيتين الإقليمية والدولية السعي الجاد للبحث عن مخرج للازمة مع الأطراف التي تؤمن بالثوابت والمنطلقات العامة للعمل السياسي العام الذي حث عليه المؤتمرون في مدريد. وهذا يعني بطبيعة الحال أن هناك جماعات وتنظيمات ترفض المنطلقات العامة القائمة على الحوار والمشاركة السياسية وترسيخ مفاهيم العمل الديمقراطي وهذه الفئات ربما تكون هي من تصب الزيت على النار وتوجج الأزمة في ليبيا وربما تخطط لما هو اخطر كتحويل البلاد إلى بؤرة للجماعات والتنظيمات الإرهابية العالمية، وهذه الجماعات يجب إقصاؤها وطلب المعونة الداخلية والخارجية في القضاء عليها. مؤتمر مدريد إن أُحسن استثماره من قبل الليبيين بالدرجة الأولى فقد يكون بحق الجسر الذي يرمم العلاقة بين طرابلس الواقعة في الغرب وبين طبرق في أقصى الشرق الليبي. وليس هناك من وسيلة يمكن أن تقدم كوصفة للانطلاق في رأب الصدع بين الليبيين من سرعة الانخراط في الحوار ومعالجة كل القضايا العالقة بعيدا عن السلاح والقتل والاغتيال والتهجير، إن ما يميز مؤتمر مدريد لدى أكثر من مراقب انه ربما يكون الخطاب الأكثر جدية الحاث على الحوار، وربما يترتب عليه أو يعقبه عمل دولي يعيد ترتيب الأوضاع في ليبيا إذا لم يتمكن أهل ليبيا من إصلاح أوضاعهم وحل معضلاتهم الداخلية وإذا لم يتمكنوا من التقاط الرسالة الإقليمية والدولية والعمل بمقتضاها قبل فوات الأوان. وكل الخوف أن تتمسك الأطراف المتصارعة بمواقفها المصرة في بعض الأحيان على إقصاء الآخر واتهامه بالعمالة والخيانة والمروق من الدين، مما يعيد الأوضاع العامة إلى مرحلة أسوأ مما كان عليه الحال أيام نظام العقيد القذافي كما وصفها قبل أسبوع ممثل ليبيا في الأممالمتحدة. وهو ما يعني استمرار الصراع وتجاهل صوت العقل وعدم الاستجابة لوقف إطلاق النار. * مستشار وباحث في الشأن الدولي