نسأل عن شوق يرسمنا كلما بعدنا عنه، وعن حبر يكتبنا كلما اقتربنا منه، وعن ظل يحمينا من حرارة الشمس، وعن خيمة تأوينا في صحراء الغربة، فلا نجد سواه يحتضننا من وعورة الطريق، وألم المسير، وغدر الزمان. هو الوحيد الذي نتمنى الارتماء في تربته عندما يختار الله أمانته، وهو الوحيد الذي لا نشعر بغربته حتى لو جار الزمان علينا، وهو الوحيد الذي نطمئن لأهله وناسه. نفكر في الرحيل، وعندما نرحل يصاحبنا في الغربة ويشاركنا في الصورة، وتبقى أجسادنا خارجه وأرواحنا داخله، فهو كالطيف يلازمنا في حلنا وترحالنا. نفرح لفرحه ونحزن لحزنه، نشتاق له حتى لو كانت دروبنا فيه مرسومة بالأشواك، ونرفض غيره حتى لو كانت تلك الدروب مفروشة بالورود. تتوق نفوسنا إليه حتى لو عشنا في كوكب الذهب والرفاهية، ونسرح في ذكرياته عندما نضع رؤوسنا على وسادة السنين، كأن لحظات الفرح ترفض الظهور إلا بوجوده حتى لو سبحنا في بحر الترف. في كل سنة لنا وقفة معه، نستعيد في حضرة شموخه بناء إنسان، وتنمية بلد، وحبا متبادلا بين قيادة وشعب. هو الوطن الذي يغني لأبنائه، ويبني جسرا من التلاحم لعشاقه، ويجدد الولاء لقيادته في زمن تناثرت البلدان اشلاء من نزاعات وحروب وفتن، وبقي هو براية التوحيد يرفرف بالوحدة والولاء يجمع ولا يفرق، يقرب ولا يبعد، فكان للقريب والبعيد ملاذا آمنا، ينتصر فيه المظلوم على الظالم، والضعيف على المتكبر، فالناس سواسية بحكم يطبق فيه شريعة السماء. الصورة تبدو واضحة لوطن حباه الله مزايا العز والفخر بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وأغدق على أهله بالخيرات، وجعله الله محطة سلم وسلام، يمد يده للضعيف، ويعطي ماله للفقير، ويصلح بين البشر والدول، فهو حمامة سلام وبلد أمن وأمان. الوطن الذي تفز له القلوب، وتتفتح به العقول، وتقدم له الدماء، وتعيش به الذكريات هو الاسم الجامع لمختلف التوجهات، وهو المحطة التي تذوب فيها الخلافات، وتتوحد فيه الكلمة من أجل مستقبل أفضل. اليوم يتكرر هذا الاسم كثيرا، فالوطن للجميع، والفرحة بالإنجاز لا بالاحتفال، والمنجزات كثيرة والقادم أحلى تحت قيادة رشيدة حكيمة. حمى الله المملكة من شر الحاسدين والحاقدين والمتربصين، ووقاها من شر الفتن، وجمع الله قلوب شعبها على الحب والولاء لقيادة رشيدة تبني مجدا وحضارة تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).