السمك والخليج قصة منذ غوابر العهود والأزمان، ويعرف كل طباخ بالمطاعم العالمية بأن أفضل أنواع السمك الصخرى كما يسمى بالأجنبية وهو طيف اسماك الهامور - على سبيل المثال - هي التي من الخليج العربي، يرجع ذلك لعناصر شكل الخليج جغرافيا وطقسيا وموقعا وطبيعة. كان لعهد قريب سمك القين (سمك الببغاء) يُرمى في الخليج ترفعا عن مذاقه وباعتباره من أسفل النخب الطبيعية السمكية، وعملت مؤسسة محلية صغيرة على تصديره لألمانيا، فصاحب المؤسسة كان صديقا لرجل من ألمانيا، وهذا الألماني عمل في البلاد مع شركة مقاولات، وكان يصطاد سمك القين، ويقول لصاحبنا أن هذا السمك لم يذق مثله أبدا. وبدأ تصدير ناجح لألمانيا وأعطيت المؤسسة شهادة قبول من هيئة الغذاء الألمانية والسوق المشتركة الأوروبية. وفي مدينة "بادن بادن" الألمانية أُقِيم حفلٌ لمرور سنة على بدء وصول سمكة "القين" الخليجية، وكان حفلا رسميا قصيرا حضره عمدة المدينة. هذه السمكة التي قدرها الألمان كجوهرة، كنا نتخلص منها كحجرة.. الذي صار فيما بعد إعادةُ احترامٍ للسمكة عند السمّاكة بالخليج، وارتفعت بسلم النخب السمكي. وقد كتب أمريكي عمل في أرامكو وعنده اهتمام وولع في تتبع الأحياء البحرية، تصنيفا مرجعيا لأسماك الخليج، وتنبأ أنه بعد عقود ستكون الصناعة السمكية الأولى في المملكة ودول الخليج لنوعية الجودة الخاصة بأحياء الخليج وخص ربيان وسط الخليج من قطر إلى أول حدود عمان بأنه الأفضل في العالم، وكاد يقول: إن أفضل صحن يمكن أن يقدم بأي مطعم العالم هو سمكة الزبيدي الخليجية شمال الخليج، ثم الهامور الصغير بنواحي القطيف ودارين والجبيل. لم يصدق حتى الآن توقع ذلك الأمريكي المغرم بسميكاتنا، ولم تصبح الصناعة السمكية الأولى، بل هي صناعة متعثرة، وستتعثر أكثر كلما ندر الصيد، وقل السمك، وإني أخاف أن يأتي يوم - لا نتنماه ولا نريده - ويصبح الخليج صحراء زرقاء! جزيرة من السمك النافق عند ميناء الملك عبدالعزيز، وجزيرة أخرى عندما مكان يحتفل أهل القطيف فيه بما يسموه "واحتنا فرحانة" وهو حفل يثير ما كان الخليج وما كان أهله وعاداته.. ليمثل مشهدا عبثيا من المفارقات الشاهقة بين الفرح وبين الموت. مؤلمٌ، مؤلم جدا. من نحن لنغير التوازن في البحر؟ ذلك التوازن الدقيق المحكوم الذي زرعه الخالق في الطبيعة. سميكاتنا الحبيبة كان لابد أن تختنق وتموت بمشهد مسرحي لا تصل إليه حزنيات وكآبة "كافكا" المتفوق حزائنيا وسوداويا في الأدب الأوربي.. عندما تتغير نسبة الأكسجين، أو تتغير نسبة الضوء المتدفق في العمق الموزون الضحل الذي ينبت الدورة الأولية، أو نسبة الأعماق، أو درجة الملوحة، أو التلوث المباشر. ونحن نعمل كل ذلك معاً ندفن السواحل بلا اعتبار لمرور التيار المائي، ولا نسبة تغير نوعية الماء جرائه، ونرمي مخلفاتنا به من سنين، ولا نتحكم في السفن العابرة التي لو شرحت لكم كيف وكم لبكيتم أكثر مما بكى رئيس جمعية الصيادين في تصريحاته، بل صيحاته لنا وفينا. سُمَيْكاتُنا لم تنفق.. تعاونّا على قتلها.